قصة الصحابي نعيمان شارب الخمر كثير المزاح
هذا الرجل الذي تكرر منه شرب الخمر هو نعيمان بن عمرو الأنصاري , واحد من أصحاب رسول الله الذين شهدوا بدرا ولمن شهد بدرا مكانة خاصة عند الله , إشتهر هذا الصحابي بحبه للمزاح وقد كان كثيرا ما يضحك رسول الله فما قصته ؟
النعيمان الرجل الظريف
عرف النعميان بحبه للمزاح إلى جانب ذالك فقد كان رجلا مقداما شجاعا , شهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها , فلم تكن الظرافة فيه ولا المزاح سببا للكسل والخمول أو الجبن .
سجلت لنا كتب السنة والسيرة بعضا من مواقفه مع رسول الله وبعضا من مزاحه , فالرجل كان لا يدخل المدينة إلا واشترى منها شيئا دون أن يدفع الثمن , ثم يذهب به لرسول الله ويخبره أنه هدية منه إليه , فإذا جاءه البائع طالبا الثمن منه أخذه إلى رسول الله ثم قال لرسول الله أعطه متاعه , فيقول النبي (( أو لم تهده لي )) فيرد نعيمان عليه بأنه لم يكن يملك الثمن واقد أحب أن يأكله رسول الله , فيضحك ويأمر بدفع الثمن للبائع .
قصة نعيمان الذي يضحك رسول الله |
فالمتأمل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم راعى أمر هذا الصحابي وحبه للمزاح ولم يعامله , بقسوة فالمزاح الظريف الخفيف من شأنه أن يزيل الهموم وأثقال الدنيا , وللضحك فوائد صحية أثبتها العلم .
إن الصورة الذهنية التي نمتلكها حول أصحاب رسول الله فيها شيئ من المبالغة , فهم كانوا فعلا أهل تقوى وصلاح وجد وجهاد وقيام وصيام إلا أن حياتهم لا تخلوا من بعض المواقف الطريفة , بل وأحيانا يصيب بعضهم الضعف الإنساني فيعصي الله عز وجل كشأن ماعز بن مالك رضي الله عنه , وفيما نسرده من هذه القصة سيتجلى لنا أيضا بعضا من الضعف الإنساني الذي قد يعتري الصالحين وأولياء الله عز وجل , فنُعيمان كان مجاهدا غازيا محبا للمزاح واقع في المعصية مرات عدة .
نعيمان وقصة شرب الخمر
لقد جاء في كتب السنة أن نعيمان رضي الله عنه حُد في الخمر أربع مرات , وفي كل مرة يُحد فيها يعود مرة أخرى , وفي إحداها شرب خمرا فأقيم عليه الحد , ولما أرادوا الإنصراف قال فيه رجل (( أخزاك الله )) على بعض الروايات , ومثل هذه الكلمة أو أشد منها قد تجري على ألسنة بعض الصالحين في أهل المعاصي ولا يدري أنها مدخل للشيطان وأنها من التنابز بلألقاب .
إن في مثل هذه الكلمات تزكية للنفس وعلوا على الغير , فقائلها يرى أن نفسه نقية تقية , وأما نفس من واقع المعصية فهي فاسقة خبيثة أقل منه درجة , لذا فقد عيره بها أو وصفها بأوصاف بشعة , ولا يدري الرجل لعلى هذا العاصي بمعصيته تلك هو أقرب إلى الله منه , فرب معصية تورث ذلا وانكسارا خير من طاعة تورث عزا واستكبارا .
لما سمع النبي من بعضهم قولا في نعيمان , قال النبي صلى الله عليه وسلم لقائل تلك العبارة (( لا تقولوا هكذا ولا تعينوا عليه الشيطان )) , فالعاصي يأخذ برفق خصوصا إذا علم أنه من أهل الفضل والكرم , وعُلم أن فيه خيرا لكن الشيطان والنفس قد غلباه ومن منا لا تغلبه نفسه , وفي بعض الروايات أن رجلا لعنه فقال رسول الله (( لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله )) , وليس بعد شهادة رسول الله شهادة فليس كل عاص بالضرورة هو باغض لله ورسوله كاره لدينه .
قصة نعيمان وشربه للخمر |
حري بنا أن نتخلق برحمة رسول الله وتواضعه , فلم يرفع نفسه فوق أصحابه مع أنه المرفوع من قبل الله عز وجل , ولم ينظر إليهم بعين الإزدارء والإنتقاص باعتبار أنه العالم العابد التقي , بل النبي الكريم خلافا لما يفعله بعض من يُتوسم فيهم الصلاح الذين تجدهم يحتقرون الناس , وينظرون إلى أنفسهم أنهم أهل طاعة وعبادة , وغيرهم أهل معصية وفجور ولا يدري المسكين من هو الأكرم عند ربه, فقد يسبقوه إلى الجنة ويهوي هو في مكان سحيق في النار فالحذر الحذر , فإن العبرة بالخواتيم والتائب من الذنب كمن لا ذنب له, ورب كلمة تردي بصاحبها في مكان سحيق ورب كلمة ترفع صاحبها إلى درجات الأولياء والصالحين .
الخمر أضرارها الحكمة من تحريمها
الخمر أم الخبائث وقد قص النبي على أصحابه قصة فبين لهم فيها مكانتها بين الخبائث , ففي الحديث الذي أخرجه النسائي أن النبي قال لهم (( إجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث )) ثم أخبرهم أن رجلا صالحا متعبدا راسلته أمرأة أهل غواية تدعوه للشهادة , فاستجاب الرجل وهو لا يدري بالمكيدة وكان كلما دخل بابا أغلقته , حتى بلغ هذه المرأة الجميلة وكان معها غلام وباطية خمر .
أخبرته المرأة أنها إنما دعته ليقع عليها وليس للشهادة , وهكذا هي حال بعض العصاة والفسقة لا يرضون حتى يروا الصالحين قد واقعوا المعاصي كي يكون سواء , لقد خيرته المرأة بين الزنا معها أو قتل الغلام أو شرب الخمر ثلاث موبقات لا مفر منها , واعتقد الرجل أن أقل هذه الخبائث جرما وفسادا شرب الخمر , فأخذ كأسا فشرب منها ثم طلب الزيادة حتى الثمالى , ولا يجتمع شرب الخمر والإيمان ثم دعته المراة للوقاع فوقع عليها وللقتل فقتل الغلام , فكانت الخمر سببا لوقوعه في الموبقات الثلاث .
فهذه هي الخمر وهذه بعض من مفاسدها ولذا فقد شدد الإسلام في منعها وتحريمها , فالمجتمع الإسلامي لابد أن يكون طاهرا نظيفا , قال تعالى في تحريم الخمر :
(( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ )) المائدة آية رقم 91
فقد ذكرت الآية ثلاث مفاسد دينية في الخمر وهي العداوة والبغضاء , والمفسدة الثانية الصد عن ذكر الله والثالثة الصد عن الصلاة , وكعادة الشرع لما يكون الأمر خطيرا فإنه يحيطه بجملة من الإجراءات الوقائية , فقد عد النبي صلى الله عليه وسلم من جملة الملعونين ممن لهم علاقة بالخمر فقال :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِي لَهَا وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ ) أخرجه الترمذي وقال حسن غريب
فانظر رحمك الله إلى محاولة الشارع صد كل باب يفضي لانتشار هذه الخبيثة التي قد وصفه بام الخبائث , وللخمر أضرار جسيمة على العقل والنفس والجسم نذكر منها :
- تفسد المعدة وتضخم البطن وتنقص من شهية الطعام .
- تضعف المناعة ويصبح الجسم هشا أمام الأمراض ومعرضا لها أكثر .
- تضر الكبد والكلى والرئة .
- تأثيرها على وظائف الأعضاء فتنقص حاسة الذوق مثلا .
- إضعافها للنسل فولد شارب الخمر يكون ضعيف الجسم خائر القوى .
- تذهب الأموال وتعرض صاحبها للفقر والحاجة والتبذير فيما لا ينفع .