حمل كتاب السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها الشيخ القرضاوي
ضمن سلسلة نحو وحدة فكرية للعاملين للإسلام , التي هي شرح للأصول العشرين للإمام حسن البنا , يأتي الكتاب الرابع منها السياسة الشرعية للشيخ يوسف القرضاوي , يتحدث فيه عن شرح الأصل الخامس .
مقدمة الكتاب وأهم ما تضمنته
عنوان الكتاب الكامل هو السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها , وهو الكتاب الرابع من سلسلة نحو وحدة فكرية التي هي شرح للأصول التي جعلها الإمام البنا مرجعية فكرية لتوحيد الصف والكلمة , تحدث فيه عن السياسة في الإسلام وعن رأي الإمام الذي هو الحاكم ومتى يعتبر شرعا ومتى لا يعتبر .
مؤلف الكتاب هو الشيخ يوسف القرضاوي وهو من علماء الشريعة المعروفين على المستوى العالمي , ويتميز أسلوبه في التأليف بالبساطة بحيث أن كتاباته في مجملها سهلة يستطيع الإنسان العادي غير المختص في الشريعة فهمها والإستفادة منها , ويتميز أيضا بسعة المعلومة ودقة البحث فالشيخ ملم بأقوال العلماء من مختلف المذاهب والمشارب فتراه ينقل من الكتب المذهبية وغير المذهبية , فيتوسع في المسألة وفي الغالب يقوم بذكر كل الآراء الموجودة في المسألة , وهو كثيرا ما ينقل كلام ابن تيمية وابن القيم والشاطبي وغيرهم من العلماء المحققين .
بدأ الشيخ القرضاوي كتابه بمقدمة بمثابة مدخل لكتابه , فتحدث أول عن منهجه في الكتاب وأهم مسائله , ثم أعقبها بتمهيد تحدث ذكر فيه أن باب السياسة الشرعية هو مبحث من المباحث الفقهية الذي يعتني بعلاقة الحاكم بالمحكوم , أو الراعي بالرعية أو الفرد بالدولة , ثم ذكر بعضا من الكتب القديمة التي ناقشت هذه المواضيع ككتب الأحكام السلطانية , وكتب الغياثي لإمام الحرمين , وكذالك كتاب السياسة الشرعية لابن تيمية وكتاب الطرق الحكيمة لابن القيم .
ثم انتقل في جزئيتين أخريين مبينا فيهما أن باب السياسة هو من الفروع لا الأصول عند أهل السنة بخلاف الشيعة , فقد عدوها من الأصول عندهم , وأيضا بين أن موضوع الحاكمية هو من صميم العقيدة الإسلامية , وقد تتابع الأصوليون على دراسة حيثية مبحث الحاكم في كتبهم .
بعد ذالك ذكر الكاتب أن هناك تقصيرا كبيرا في الفقه السياسي , ثم عد بعض المؤلفات المعاصرة على أبرزها الكتاب الذي أثار جدلا كبيرا عند ظهوره , وهو كتاب (( الإسلام وأصول الحكم )) للقاضي علي عبد الرزاق , ثم تتابعت الكتب المؤلفة في هذا الباب وعد منها العشرات من الدراسات والكتب في هذا الجانب أبرزها .
- الحريات العامة في الإسلام راشد الغنوشي
- الوحدة الإسلامية أبو زهرة
- الإسلام وأوضاعنا السياسية عبد القادر عودة
- الإسلام والسياسة والسلطان والعلمانية محمد عمارة
- الدين والدولة في الإسلام مصطفى السباعي
ثم انتقل الشيخ يوسف القرضاوي للحديث عن المنهج الذي يأمل أن يعمم في الفقه السياسي , وقال أنه لا بد أن يرتكز على ركيزتين
- الرجوع إلى الكتاب والسنة مع الإستفادة من تراث الأئمة من مختلف المذاهب
- فهم الواقع ومعايشته والعمل على علاج المشكلات التي يعج بها , وكل ذالك في إطار روح الشريعة ومقاصدها
وفي الجزء الثاني من التمهيد انتقل للحديث عن مفهوم السياسة الشرعية , فجعل لها تعريفا بسيطا وواضحا فقال هي السياسة القائمة على قواعد الشرع وأحكامه وتوجيهاته , ثم انتقل للحديث عن مفهومها لدى الفقهاء فذكر أن لها معنيين عام وهي وظيفة الحاكم الشاملة التي تتمثل في إصلاح دنيا الناس ودنياهم وتدبير شؤونهم , ومعنى الخاص وهي القرار الجزئي الذي يتخذه حول موضوع ما .
والمشكلة التي تطرح منذ القدم ما دار من حوار بين الإمام ابن عقيل وأحد الفقهاء , وقد نقله ابن القيم في كتابه الطرق الحكيمة وأيضا أعلام الموقعين , فقد ادعى الفقيه الشافعي أن شرط السياسة الصحيحة أن توافق الشرع , فاعترض ابن عقيل عليه بقوله أنها كل فعل يرجى من خلال صلاح للخلق , فإن كان قصدق نطق الشرع بها شرطا فخطأ , وإن كان القصد بموافقة الشرع أن لا تخالفه فصحيح . ثم نقل تعقيب ابن القيم على كلام ابن عقيل موضحا هدي النبي وخلفائه رافضا تقسيم طرق الحكم إلى شريعة وسياسة , بل جعل الصحيحة من السياسة شريعة والفاسد منها ليس من شريعة الله عز وجل .
محتوى كتاب السياسة الشرعية للشيخ القرضاوي
يبدأ صلب الكتاب بعد المقدمة التمهيدية بذكر الأصل الخامس من الأصول العشرين للإمام حسن البنا الذي سيقوم بشرحه , قام بتقسيم موضوعات الكتاب لخمسة أقسام وهي :
القسم الأول : ذكر فيه رأي ولي الأمر ومتى يعمل بها , فبدأ بتحديد من هو ولي الأمر , ثم انتقل لبيان معنى الرأي وقسميه المحمود والمذموم معرجا على تحقيق ابن القيم في المسألة من كتابه أعلام الموقعين , وختم المسألة بذكر مجالات العمل بالرأي في الشريعة , فكانت ما لا نص فيه أو ما فيه نص ولكنه محتمل فتعددت الآراء الإجتهادية فيه , والمجال الثاني ما ترك الشرع للإمام حرية الإختيار , وأما المجال الثالث فمجال المصلحة المرسلة .
وفي المجال الثالث تحدث فيه الشيخ بإسهاب , وقد أكثر من نقل كلام الإمام أبي حامد الغزالي مع مناقشة رأيه في المسألة , والشروط التي وضعها الإمام الغزالي لاعتبار المصلحة , وانتهى الشيخ القرضاوي إلى أن اعتبار المصلحة لدى كل المذاهب الفقهية على اختلاف بينهم بين موسع منهم ومضيق , كما أنه اعتبر رأي الشاطبي هو الرأي الوسط في هذا المجال بخلاف رأي الغزالي فقد رآه مضيقا .
القسم الثاني : انتقل المؤلف بعد ذالك إلى بيان شروط العمل برأي الإمام , فتحدث عن مدى إلزامية الشورى وإشكالية المسألة هل الشورى ملزمة أم معلمة , ثم ذكر شروط العمل برأي الإمام فكان منها أل يصطدم بقاعدة شرعية , وأن تكون تصرفاته لأجل تحقيق مصالح الرعية .
بعد ذالك لنتقل للحديث عن مسألة تغيير الإمام رأيه بتغير الظروف , فتحدث عن نماذج حدثت زمن الصحابة وخالف الخلفاء الراشدين بعضهم بعضا , كمسألة توزيع الفيئ فأبوا بكر كان يفاضل بين الناس في الفيئ باعتبارات رآه , ولما جاء بعده عمر لم يرى هذا الرأي بل سوى بين الجميع .
القسم الثالث : تحدث فيه عن مسألة أثارت جدلا كبيرا خاصة في هذا العصر , وهي مسألة تعارض النص مع المصلحة فبدأ بيان أن النصوص الشرعية والمصالح قد تكون قطعية وقد تكون ظنية , ثم القطعيات في الشريعة لا تتعارض بل التعارض يكون بين ظني وقطعي أو ظنيين .
بعد ذالك أخذ في الحديث عن مذهب الطوفي , والذي يعتبر مستند الكثير من المعاصرين مما يكتبون في تقديم المصلحة على النص , فبين الشيخ القرضاوي أن الطوفي لا يقدم المصلحة على النص الظني , بل يرى الطوفي أن المصلحة قد تقيد مطلقا أو تخصص عاما فحسب ونقل من كلامه ما يدل على هذا الإتجاه .
بعدها انتقل للدعوى العريضة وهو المستند الثاني لمن يقدم المصلحة على النص , وهي تعطيل عمر للنصوص القطعية بحجة مخالفتها للمصلحة , فذكر ثمان مسائل وهي :
- عدم إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة ثم قام بنقل رد الشيخ محمد المدني من كتابه (( نظرات في اجتهادات الفاروق )) على هذه الدعوى ردا شافيا مأصلا
- رفض عمر تقسيم أراضي السواد المفتوحة في العراق على المنتصرين .
- إيقاف حد السرقة عام المجاعة في خلافته . وقد نقل أيضا جواب الشيخ المدني من كتابه السالف الذكر . كما ذكر رأي ابن القيم واعتبره الرأي الذي يميل إليه
- إنكاره لزواج المسلم من المرأة الكتابية .
- إعتباره الطلاق الثلاث بلفظة واحدة طلاقا بالثلاث , وهو خلاف ما كان معمولا به قبل زمانه
- زيادته في عقوبة شارب الخمر
- إسقاط إسم الجزية عن نصارى بنى تغلب
- العمل بالتسعيره مع ان رسول الله لم يعمل به .
القسم الرابع : وفيه تحدث عن أهم المرتكزات التي ينبغي أن يعتمد عليه الفقه السياسي , فقام بعد خمس أسس للسياسة الشرعية وهي :
الأساس الأول : فهم النصوص الجزئية داخل الإطار العام لمقاصد الشريعة , والعلماء اتجاه هذه الجزئية ثلاث مدارس , مدرسة تفهم النصوص بعيدا عن المقاصد , فتتمسك بالظاهر تمسكا شديدا وهي المدرسة الظاهرية , ومدرسة مقابل لها تمسكت بالمتشابهات وتركت المحكمات فحرفت النصوص عن مواضيعها , والمدرسة الثالثة مدرسة الوسطية التي لا تغفل النصوص الجزئية ولا تغفل القواعد الكلية ومقاصد الشرع عند فهمها والإستنباط منها . وقد تحدث الشيخ القرضاوي بإسهاب عن هذه المدارس مع التمثيل لك مدرسة بمنهجها الإستنباطي .
الأساس الثاني من أسس السياسة الشرعية : فقه الواقع , فالواقع محل إسقاط أحكام الشرع وتدور حوله عدة قواعد , كمسألة تغيير الحكم بتغير الأعراف , وبتغيير الزمان والمكان والأحوال , وقد نقل كلاما نفيسا للإمام القرافي من كتابه الإحكام في تمييز الفتوى عن الأحكام .
الأساس الثالث : فقه الموازنات وهو مهم جدا في باب السياسة , ويعتمد في الموازنة بين المصالح والمفاسد عند تعارضها . ولهذا الفقه صعوبة عند التنزيل الواقعي , وقد فصل فيه القول في كتابه (( أولويات الحركة الإسلامية ))
الأساس الرابع : فقه الأولويات وللمؤلف كتاب خاص في هذا الموضوع تحت عنوان (( في فقه الأولويات )) , ويعتمد هذا الفقه في باب السياسة الشرعية وغيرها بإعطاء كل عمل ما يناسبه من الإهتمام والوقت دون إفراط ولا تفريط , ثم ذكر نماذج من هذا الفقه كتقديم العقيدة في الإهتمام على غيرها , ولا يعني التقديم إهمال الأشياء الأخرى , وكتقديم حفظ الدين على النفس وكتقديم الواجبات على المستحبات , وتقديم الأهم على المهم وغيرها من الأمثلة .
الأساس الخامس : وهو آخر مركتزات السياسة الشرعية وهو فقه التغيير , وفقه التغيير هذا نحتاج فيه لفقه الموازنات والأولويات وفقه الواقع , وينبغي أن تراعى ثلاث فواعد عند أي تغيير وهي :
- قاعدة رعاية الضرورات وترتبط بهذ القاعدة عدة قواعد أخرى
- قاعدة ارتكاب أخف الضررين
- قاعدة التدرج في التغيير والإصلاح .
ختاما هذه أهم موضوعات ومباحث كتاب السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها للشيخ يوسف القرضاوي , ولا ننس أن نلفت الإنتباه أن للشيخ مناقشات مستفيضة لكثير من المسائل التي ذكرناها والتي لم نذكرها فالكتاب مفيد جدا في بابه .