النهي عن إيذاء المسلمين وقصة المرأة التي تؤذي جيرانها .
إمرأة صوامة قوامة كثيرة الصدقة لكنها من أهل النار , وامرأة قليلة الصلاة وقليلة الصيام قليلة الصدقة غير أنها لا تؤذي جيرانها لكنها من اهل الجنة .
علاقة الإيمان بحسن الأخلاق
للأخلاق في كل المجتمعات وفي كل الأعراف والأديان مكانة عالية , فحتى المجتمع العربي إبان الجاهلية كانت تسوده أخلاق رفيعة , وكان ممن يحترم صاحب الأخلاق الفاضلة , فهذا أبوا سفيان لما استدعاه هرقل ملك الروم , وقد كان في الشام مع وفد من قريش في رحلتهم التجارية , لما سأله هرقل عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم استحي أبو سفيان أن يكذب , فقال (( فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبة لكذبت عنه )) .
يسأل هرقل أبا سفيان عن النبي محمد فيقول (( فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال , فقال لا , فهل يغدر قال لا )) ثم سألهم (( ماذا يأمركم )) , فكان مما قال أبو سفيان (( ويأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف والصلة )) أي بحسن الخلق بجانب عبادة الله عز وجل , فاهتمام الإسلام بالأخلاق كان منذ بدايته .
وقد أثنى الله عز وجل على نبيه فقال (( وإنك لعلى خلق عظيم )) قال ابن عباس رضي الله عنه : (( دين عظيم )) ففسر الخلق بالدين , قال ابن القيم (( الدين كله خلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين )) , أي فمن تفوق عليك بأخلاقه فقد تفوق عليك في دينه .
فلا عجب أن نجد النبي صلى الله عليه وسلم يقول (( إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا ، وإنَّ مِن أبغضِكُم إليَّ وأبعدِكُم منِّي يومَ القيامةِ الثَّرثارونَ والمتشدِّقونَ والمتفَيهِقونَ، قالوا : يا رسولَ اللَّهِ، قد علِمنا الثَّرثارينَ والمتشدِّقينَ فما المتفَيهقونَ ؟ قالَ : المتَكَبِّرونَ )) صحيح الترمذي . فحسن الخلق مأمور به وسوء الخلق منهي عنه .
يقول الشاعر حافظ إبراهيم رحمه الله في شعر جميل عن الأخلاق :
فَإِذَا رُزِقْتَ خَلِيقَةً مَحْمُودَةً فَقَدِ اصْطَفَاكَ مُقَسِّمُ الأَرْزَاقِ
فَالنَّاسُ هَذَا حَظُّهُ مَالٌ، وَذَا عِلْمٌ وَذَاكَ مَكَارِمُ الأَخْلَاقِ
وَالمَالُ إِنْ لَمْ تَدَّخِرْهُ مُحَصَّنًا بِالعِلْمِ كَانَ نِهَايَةَ الإِمْلَاقِ
وَالعِلْمُ إِنْ لَمْ تَكْتَنِفْهُ شَمَائِلٌ تُعْلِيهِ كَانَ مَطِيَّةَ الإِخْفَاقِ
لَا تَحْسَبَنَّ العِلْمَ يَنْفَعُ وَحْدَهُ مَا لَمْ يُتَوَّجْ رَبُّهُ بِخَلَاقِ
فعلى المرء أن يهتم بأخلاقه ويحاول جاهدا تهذيب نفسه والإبتعاد عن مساوئ الأخلاق ورذائلها , فعماد الأمم الأخلاق الكريمة والطبائع الحسنة , يقول الشاعر أحمد شوقي :
فكما أن الإسلام حث على حسن الخلق ورغب فيه , فقد نهى عن سوء الخلق وحذر منه , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ((خَصْلَتَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي مُؤْمِنٍ : الْبُخْلُ وَسُوءُ الْخُلُقِ)) .
أذية المؤمنين وأذية الجار حديث المرأة التي تؤذي جيرانها
ومن الأخلاق السيئة أذية المسلمين قال تعالى (( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا )) قال الشيخ السعدي في تفسيره معقبا على الآية (( ولهذا كان سب آحاد المؤمنين، موجبًا للتعزير، بحسب حالته وعلو مرتبته )) .
ومن أسوء الأخلاق وأشد انواع الأذية أذية الجار والإعتداء عليه وعدم احترامه ففي الحديث (( قيلَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ و سلَّمَ : يا رَسولَ اللهِ ! إنَّ فلانةَ تقومُ اللَّيلَ و تَصومُ النَّهارَ و تفعلُ ، و تصدَّقُ ، و تُؤذي جيرانَها بلِسانِها ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليهِ و سلم لا خَيرَ فيها ، هيَ من أهلِ النَّارِ . قالوا : و فُلانةُ تصلِّي المكتوبةَ ، و تصدَّقُ بأثوارٍ ، و لا تُؤذي أحدًا ؟ فقال رسولُ اللهِ : هيَ من أهلِ الجنَّةِ )) صحيح الأدب المفرد .
فتأمل عبد الله كيف أن التي تؤذي جيرانها لم تنفعها كثرة صلاتها ولا مثرة صيامها وصدقاتها , وانظر قول النبي صلى الله عليه وسلم فيها (( لا خير فيها )) , فمن مقاصد الصلاة والصيام والصدقة تطهير النفس والرفعة من أخلاقها فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (( بُعِثتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخْلاقِ )) السلسلة الصحيحة وفي رواية (( صالح الأخلاق )) , ففي التنزيل (( إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ )) قال الشيخ السعدي في تفسير الآية (( ووجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أن العبد المقيم لها، المتمم لأركانها وشروطها وخشوعها، يستنير قلبه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير، وتقل أو تعدم رغبته في الشر، فبالضرورة، مداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجه، تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها )) .
وفي الحديث الصحيح (( من لم يدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بِهِ ، فليسَ للَّهِ حاجةٌ بأن يدَعَ طعامَهُ وشرابَهُ )) . فمن مقاصد العبادات العظيمة تطهير النفس وتهذيب أخلاقها وحملها على ترك الأخلاق السيئة وأذية المسلمين .
وهكذا هي حال من يؤذي جيرانه أو يؤذي المؤمنين عموما , تأتي صلاته يأتي صيامه وصدقاته وقد أضعفتها اعماله السيئة فلا تقوى على ان تجعله من الناجين يوم القيامة قال النبي صلى الله عليه وسلم (( أَتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقالَ: إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ.)) .
وصور أذية الجار كثيرة ومتنوعة منها الحسد وتمني زوال النعمة من هذا الجار , ومنها إحتقاره والإستخفاف به وبأهله والسخرية منها , وكذا إشاعة أخباره وما يجري في بيته والتجسس عليه , وكذا رفع الأصوات سيما المحرمة منها , وإحداث ما يزعجه في وقت النوم والراحة , وكذالك رمي القمامة امام منزله أو بالقرب منه , والإجتماع عند بابه أو نافذته .