قصة موسى بلوغه الأربعين قتل القبطي الخروج إلى مدين دروس وعبر
لم يحدثنا القرآن كثيرا عن حياة موسى في شبابه , إلا أن الشيئ المعلوم يقينا أن الله عز وجل قد حفظه من مفاسد حياة فرعون في القصر , وقد حدثنا القرآن الكريم عن قصة قتله للقبطي , هذه الحادثة التي كانت فارقة في حياة موسى فبسببها خرج إلى مدين وهناك تزوج ثم عاد إلى مصر وقد أكرمه الله بالنبوة .
حفظ الله عز وجل لموسى من مفاسد حياة القصر
لم تؤثر الحياة التي عاشها سيدنا موسى في قصر فرعون فلم تفسده , ولم يؤثر طغيان فرعون وفساده على موسى , ولو أن شخصا آخر عاش تلك الحياة وقضى شبابه وهو مقرب من فرعون لكان فاسدا طاغيا , وأما سيدنا موسى فقد بقي في حصانة وحفظ فقد رعاه الله وحفظه , فقد نشَّأه الله في قصر مليئ بالآفات والمفاسد وصنعه على عينه واصطنعه لنفسه .
قال تعالى (( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِ )) وقال أيضا (( وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي )) فقد عبر الله عز وجل عن رعايته لموسى وحفظه بلفظ الصناعة والإصطناع , فالصنع إيجادة الفعل والإصطناع المبالغة في إصلاح الشيئ , فقد كان لموسى عناية خاصة من الله عز وجل (( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ )) .
وقد قال بعض الحكماء (( أن الله عز وجل إذا أحب عبدا تفقده كما يتفقد الصديق صديقه ... )) , وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ : (( إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ : منْ عادى لي وَلِيّاً. فقدْ آذنتهُ بالْحرْب. وَمَا تقرَّبَ إِلَيَ عبْدِي بِشْيءٍ أَحبَّ إِلَيَ مِمَّا افْتَرَضْت عليْهِ : وَمَا يَزالُ عَبْدِي يتقرَّبُ إِلى بالنَّوافِل حَتَّى أُحِبَّه ، فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سمعهُ الَّذي يسْمعُ بِهِ ، وبَصره الَّذِي يُبصِرُ بِهِ ، ويدَهُ الَّتي يَبْطِش بِهَا ، ورِجلَهُ الَّتِي يمْشِي بِهَا، وَإِنْ سأَلنِي أَعْطيْتَه ، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَّنه )) رواه البخاري.
موسى عندما بلغ أشده واستوى
امتدت حياة موسى وهو في صناعة الله عز وجل حتى بلغ أشده واستوى فآتاه الله الحكم والعلم , قال تعالى (( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ )) , فقوله (( بلغ أشده )) حديث عن القوة الجسمانية فقد كان سيدنا موسى قوي البدن , فقد قتل القبطي بوكزة ورفع صخرة وحده تحتاج لرجال عدة كي يرفعوناه , وقد قالت بنت الرجل الصالح (( إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ )) , وأما معنى (( استوى )) أي كملت بنيته الجسدية والعقلية والنفسية .
والغالب أن السن الذي تكتمل فيه قوة الإنسان وعقله الأربعين أو ما يقاربها , ففي التنزيل قال تعالى (( حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )) , فالله عز وجل ذكر هذه المراحل من مراحل عمر الإنسان , فالإنسان يبلغ أشده عند الأربعين أو قبلها بقليل , ولكن إذا تمت له أربعين سنة فقد استوى واكتملت قوته واكتمل عقل , وقد صقلته الحياة بتجاربها , وفي هذا السنة لا يعقل أن ينسى الإنسان ربه وأن يعيش بعيدا عن منهج الله سبحانه , بل الواجب عليه أن يتعقل أكثر وأن يلتزم أكثر من قبل , ووجب عليه الحرص على العمل الصالح وشكر الله عز وجل , قال الشاعر :
أَلْقَى عَصَاهُ وَأَرْخَى مِنْ عِمَامَتِهِ وَقَالَ: ضَيْفٌ، فَقُلْتُ: الشَّيْبُ؟ قالَ: أَجَلْ
فَقُلْتُ: أَخْطَأتَ دَارَ الْحَيِّ، قَالَ : وَلِمْ؟ مَضَتْ لَكَ الْأَرْبَعُونَ الْوُفْرُ، ثُمَّ نَزَلْ
فَمَا شَجِيتُ بِشَيْءٍ مَا شَجِيتُ بِهِ كَأَنَّمَا اعْتَمَّ مِنْهُ مَفْرِقِي بِجَبَل
لما بلغ سيدنا موسى أربعين سنة آتاه الله عز وجل حكما وعلما قال تعالى (( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ )) , وقد سار سيدنا موسى بين قومه حكيما عليما يحبه الجميع , والسر في أن الله عز وجل آتاه الحكم الونبوة ذكره القرآن بقوله (( وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ )) , فعاقبة الإحسان حسنة فلقد عاشر سيدنا موسى شبابه محسنا فأثابه الله عند بلوغه الأربعين , وعليه فإن كمال العقل والنفس في سن الأربعين مرتبطة بما قضاه الرجل في شبابه .
سن الأربعين إعجاز علمي
لقد ظل العلماء إلى وقت قريب يعتقدون أن اكتمال نمو الدماغ يكون في سن العشرين تقريبا , نشرت جريدة التلغراف مقالة بعنوان (( نمو الدماغ يستمر إلى منتصف العمر )) , فبعد تجارب أجروها بجهاز المسح بالرنين المغناطيسي الوظيفي اكتشفوا أن منطقة الناصية من الدماغ , وهي المسؤولة عن اتخاذ القرارات الإجتماعية والمهام الشخصية والتخطيط واليلوك تستمر في النمو إلى سن الأربعين سنة .
تبين للعلماء أن قوة الإنسان الجسدية والعقلية تبغ ذروتها في سن 39 سنة طبعا بالأشهر الشمسية , وفي القرآن الكريم يتم الحساب بالأشهر القمرية و 39 سنة شمسية تساوي بالتقريب أربعون سنة قمرية , ففي هذا السن تبدأ القدرات الجسدية والعقلية في التباطؤ ومن الصعب جدا على أي رياضي الإستمرار بنفس النسق في سن الأربعين , والسبب يعود إلى هبوط كل شيئ بعد هذه السن ( المفاصل , العظام الدماغ .... ) , ويبدأ تناقص النشاط الخلوي بشكل عام .