حمل كتاب الثابت والمتغير في فكر الشاطبي الشيخ مجدي عاشور
كتاب الثابت والمتغير في فكر الشاطبي يندرج ضمن سلسلة الدراسات الأصولية , هو رسالة لنيل الماجستير نال به مؤلفه تقدير إمتياز , لقد حاول فيه صاحبه الوقوف على أهم ما يميز منهج الشاطبي وموقفه من القضايا المثيرة للجدل كبعض مسائل البدعة , وموقفه من التصوف وكثير من القضايا .
لمحات تعريفية بكتاب الثابت والمتغير في فكر الإمام أبي إسحاق الشاطبي |
لماذا كتاب الثابت والمتغير ؟
يذكر مؤلفه الشيخ مجدي عاشور أن سبب اهتمامه بفكر الشاطبي تعلق كثير من المعاصرين بآرائه الأصولية والمقاصدية , فالمفرطون يتمسكون بما يناسبه من أقواله مدعين تمسكهم بمقاصد الشرع , ففي كثير من الأحيان يغيرون أحكام الشرع تمسكا بمقاصد الشريعة كما يدعون , والحقيقة أن ذالك ما هو إلا تأويلا باطلا للنصوص ولكلام الشاطبي , وتحريف واضح في موقفه من مقاصد الشرع .
كذالك في الجانب الآخر من المتشددين فإنهم يتسكون ببعض أقواله نصرة لمواقفهم , لذا فقد أراد المؤلف من خلال هذه الدراسة الممتعة الوقوف على ما هو ثابت لا يتغير من أحكام الشرع وما هو قابل للتغير بحسب الأزمنة والأمكنة والأعوائد والأحوال والأشخاص .
إضافة لذالك فالشاطبي لا يخلوا مؤلف أو بحث او دراسة تتطرقت لموضوع المقاصد في العصر الحديث إلا ومرت بفكره , وذكرت آراءه واجتهاداته .
وقد عرض الشيخ مجدي عاشور في كتابه هذا لأهم موضوعين عند الإمام الشاطبي , اللذين هما مثار جدلا وأخذ ورد كبيرين .
- الموضوع الأول : البدعة وأراد بذالك ان يوضح الفرق بين البدعة المذمومة والسنة المحمودة مما هو مستحدث , وأيضا موضوع إستخراج العلل لفهم النصوص سواء أكان هذا الإستخراج وفق ضوابط علمية أو لهوى في النفس بغية الخروج من الدين .
- الموضوع الثاني : التصوف وأراد من خلال ذالك أن يجيب عن أسئلة معروفة حوله , كتحديد مفهومه وحكمه في الشرع وضوابطه , وهل الشاطبي عدوا للصوفية أم لا .
وقد خلص المؤلف بعد رحلته التي جال فيها كتب الشاطبي الإعتصام والموافقات إلى نتائج ذكرها في خاتمة كتابه أهمها :
- طريقة الشاطبي في مسالك إثبات المقاصد وسط بين الظاهرين الواقفين على حرفية النصوص , وأصحاب المعاني الغارقين في الأخذ بالقياس والعلل , فهو قد جمع بين المدرستين ووفق بينهما .
- المقاصد والقواعد الكلية الشرعية ثابتة لا تتغير ترجع إليها جزئيات الشرع , ومع ذالك فالمقاصد متداخلة فيما بينها فقد يقدم في فرع الحاجي على الضروري .
- مقاصد الشريعة خمسة ولسنا في حاجة لتوسيعها , لأن الكليات الخمس بمراتبها يندرج تحتها كل ما قيل إنها مقصد جديد .
- يعتبر المؤلف أن الشاطبي قد ضيق كثيرا في إدراجه بعض الصور من المباحات في البدعة خصوصا تقييد المطلقات منها , وأيضا توسيعه في مسألة الترك وقد خالف الجمهور في هذا .
منهج كتاب الثابت والمتغير وأهم ما جاء فيه .
جعل المؤلف كتابه هذا منقسما إلى مقدمة ذكر فيها منهجه وسبب تأليفه , ثم توطئة بين فيها المصطلحات التي في العنوان وهما الثابت والمتغير , ثم جاء باب تمهيدي خصصه للكلام عن حياة الشاطبي وشيوخه وتلقيه للعلم وثناء العلماء عليه ومكانته العلمية , ثم جاء لب الكتاب في بابين .
الباب الأول : فقد قسمه لثلاث فصول , قام فيها بدراسة فكر الشاطبي وموقفه من مقاصد الشريعة الإسلامية , فذكر في الفصل الأول مفهومها عنده , وفي الفصل الثاني تحدث فيها عن العلاقة بين الأدلة اللفظية والمقاصد , وقد ذكر فيه موقف الشاطبي من قطعية المقاصد , وفي المبحث الثاني من هذا الفصل ذكر قضية قطعية أو ظنية دلالة الأدلة اللفظية , وفي الفصل الثالث تحدث عن ترتيب المقاصد , وقد تضمن مبحثين , مبحث عن المراتب الثلاثة للمقاصد , وفي المبحث الثاني تحدث عن الكليات الخمس , وذكر مدى التداخل بين مراتبها ومدى التداخل بين الكليات .
في مبحث المقاصد توسع المؤلف في حديثه عن تاريخ المقاصد , فذكر موقف أشهر العلماء الذين اعتنوا بذكرها كإمام الحرامين والغزالي وابن رشد والآمدي والعز بن عبد السلام والقرافي وابن تيمية , وقد ذكر المؤلف أن الشاطبي في فكره المقاصدي قد تأثر بالإمام القرافي كثيرا .
وفي مبحث الأدلة اللفظية وهل هي قطعية أم ظنية ؟ ذكر مذاهب العلماء ولعلى أبرزهم الإمام الرازي , فالمعروف أن موقفه من الألفاظ أنها مفيدة للظن , وأما إفادتها للقطع فهو متوقف على انتفاء عشرة موانع . ثم ذكر ان للرازي رأيا آخر في المحصول وهي أنها قد تفيد القطع بالقرائن .
وممن ذكر رأيهم في المسألة الإمام القرافي وابن تيمية وهما ممن اعترضوا على الرازي في هذه المسألة , وكذالك ممن اعترض على الرازي صدر الشريعة , ثم أخذ يبين موقف الشاطبي بإسهاب وانه اعتمد في مناقشة رأي الرازي على قطعية القواعد والمقاصد , وأيضا على عمل السلف وأنه قد يرفع الإحتمالات العشر .
وفي المبحث الثالث وهو آخر ما كتبه في الباب الأول تحدث عن قواعد المقاصد عند الإمام الشاطبي , فبدأ بالتفريق بينها وبين القواعد التي وضعها الإمام القرافي , ثم قام بعدها بتصنيفها إلى أربعة أنواع وهي :
- كيفية معرفة المقاصد وذكر تحته ست عشرة قاعدة .
- مقاصد الشرع وقد جعل تحتها أربعة وستون قاعدة .
- مقاصد المكلف وقد ذكر فيها إثنا عشرة قاعدة .
- المقاصد والإجتهاد وقد ذكر تحتها عشرة قواعد .
الباب الثاني : فقد خصه للجانب التطبيقي للثابت والمتغير عند الشاطبي وقد جعله في فصلين , فالفصل الأول تحدث فيه عن البدعة عند الشاطبي , وفي الفصل الثاني تحدث عن موقف الشاطبي من التصوف .
معلومات عن كتاب الثابت والمتغير في فكر الإمام الشاطبي |
البدعة والتصوف عند الإمام الشاطبي .
ذكر المؤلف أن اكثر ما اهتم به في كتابه الثابت والمتغير هو موقف الشاطبي من مسألة البدعة والتصوف , ففي فصل البدعة بعدما ذكر مفهومها اللغوي والشرعي , قال ان الشاطبي خالف الجمهور في تقسيمها للممدوحة والمذمومة . وقد حاول المؤلف المقارنة بين مفهومها عند الشاطبي ومفهومها عند الجمهور .
ثم ذكر نقاش الشاطبي للعز ابن عبد السلام في كتابه الإعتصام في تقسيمه للبدع لمذمومة ومحمودة , وأرجع ما اعتبره العز ابن عبد السلام محمودا لكونه من المصالح المرسلة .
ففي المبحث الثالث تحدث الشيخ مجدي عاشور البدعة الإضافية فذكر حدها وأمثلة منها , ذاكرا الأسباب التي جعلت الشاطبي يحكم لهذا النوع بالبدعية , ثم علق على موقف الشاطبي في المسألة وعده أول من قسم هذا التقسيم , وبذالك يكون قد وسع دائرة البدع ورد عليه أن منع المكلف من تقييد المطلقات مهما كان سبب التقييد تضييق على المكلف ومخالفة لقصد الشارع .
وفي المبحث الخامس تحدث عن مسألة الترك عند الإمام الشاطبي , وهي مسألة أخرى كثر حولها الكلام والنقاش قديما وحديثا , بدأ المؤلف فيها بتحرير محل النزاع فقسم الترك لقسمين :
- الأول : ما تركه الني لسبب أو لمانع ما , وليس في هذا النوع إشكال .
- الثاني : ما تركه النبي تركا مطلقا , وقد قسمه الشاطبي لقسمين نوعا لم يوجد في عهد ما النبي ما يستدعي فعله , فلا موجب له , أو وجد ولكن وجد معه مانع من الفعل وهذا أيضا لا إشكال فيه , إنما المشكلة في الصورة الثانية وهو عدم الفعل مع وجود المقتضي له وانتفاء المانع , فالشاطبي يعتبر فعله بدعه وهذا محل إشكال وأخذ ورد بين موسع ومضيق , والمؤلف يميل إلى رأي الشيخ عبد الله دراز وهو التفريق بين هذه المسألة ومسألة السكوت في مقام البيان .
وقد خلص المؤلف بعد أن عرض موقفه أن الشاطبي كان مضطربا في هذه المسألة , ثم رجح أن الأصل في مسألة الترك بقاءه على الإباحة ما لم يصادم نصا أو قاعدة .
وفي الفصل الثاني من كتاب (( الثابت والمتغير )) تحدث المؤلف عن التصوف , فجعل الباب مقسما لأربعة مباحث , في المبحث الأول تناول فيه مفهوم التصوف , وفي المبحث الثاني تحدث فيه عن الصوفية وعلاقتهم بمقاصد الشريعة , ثم ذكر في المبحث الثالث أن الشاطبي دافع عن الصوفية ممن هم على طريقة الكتاب والسنة , وفي المبحث الرابع والأخير ذكر انتقادات الشاطبي للصوفية فقسمها لقسمين :
- الإنقطاع للعبادة في الربط والزوايا , وترك الإشتغال بالتكسب وغيره .
- جعلهم الكشف والرؤى من مصادر التشريع .
وقد خلص المؤلف أن الشاطبي لا يعادي كل طوائف الصوفية , فهو ليس خصما للتصوف , بل يعادي الطوائف المنحرفة منهم عن السنة , ويجعل التصوف الحقيقي السليم له صلة مع مقاصد الشريعة , ويصل بصاحبه إلى أعلى مقامات العبودية والتزكية .