شرح الحديث التاسع ما نهيتكم عنه فاجتنبوه من الأربعين النووية
عَنْ أَبي هُرُيرة - رضي الله عنه - قال : سَمِعتُ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ : (( ما نَهَيتُكُمْ عَنْهُ ، فاجْتَنِبوهُ ، وما أمرتُكُم به ، فأتُوا منهُ ما استطعتُم ، فإنَّما أهلَكَ الَّذين من قبلِكُم كَثْرَةُ مسائِلِهم واختلافُهم على أنبيائِهم )) رواهُ البخاريُّ ومُسلمٌ .
شرح حديث ما نهيتكم عنه فاجتنبوه من الأربعين النووية |
تخريج حديث ما نهيتكم عن شيئ فاجتنبوه وذكر سبب وروده
هذا الحديث منزلته عظيمة وهو من قواعد الدين المهمة , وقد تضمن النهي عن كثرة السؤال والتنطع , والحديث أخرجه البخاري ومسلم الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي والبغوي من حديث أبي هريرة .
وهو بهذا اللفظ قد تفرد به مسلم من رواية الزهري عن سعيد ابن المسيب وأبي سلمة كلاهما عن أبي هريرة , واللفظ المتفق عليه عند البخاري ومسلم هو من رواية أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة (( دَعُوني ما تركتُكم ، إنَّما أهلَكَ مَنْ كَانَ قَبلَكُم سؤالُهم واختلافُهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتُكم عن شيءٍ فاجتَنبُوه ، وإذا أمرتُكم بأمرٍ فأتُوا منه ما استطعتم)) .
وأما عن سبب ورود الحديث , فقد أخرجها الإمام مسلم وأحمد والنسائي وابن حبان والدارقطني عن أبي هريرة قال : خطبنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : (( يا أيَّها النَّاس قد فرضَ الله عليكم الحجَّ فحجُّوا )) فقال رجل : أكُلَّ عامٍ يا رسول الله؟ فسكت حتَّى قالها ثلاثاً، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لو قلتُ : نعم ، لوجبت ، ولما استطعتُم )) ثمَّ قال : (( ذَرُوني ما تَرَكْتُكُم، فإنَّما أُهْلِكَ مَنْ كانَ قبلَكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتُكُم بشيءٍ ، فأتوا منه ما استطعتُم ، وإذا نهيتُكم عن شيءٍ، فدعوه )) .
وعند الدارقطني وابن حبان في صحيحه أنه بسبب سؤالهم عن الحج (( أفي كل عام )) نزل قوله تعالى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُم )) .
شرح الحديث وبيان غريب ألفاظه وفوائده
قوله (( ما نَهَيتُكُمْ عَنْهُ )) النهي طلب الكف على وجه الإستعلاء . قوله (( فاجْتَنِبوهُ )) أي فابتعدوا عنه واتركوه , إلا ان الفرق بين الترك والإجتناب , أن الترك قد يكون عن بعد أو عن قرب , أما الإجتناب فيكون عن بعد بحيث تكون في جانب وما تتركه في جانب آخر .
قوله (( وما أمرتُكُم به )) الأمر طلب الفعل على وجه الإستعلاء .
قوله (( مسائِلِهم )) جمع مسألة وهو ما يسأل عنه والمعنى كثرة أسئلتهم . قوله (( واختلافُهم على أنبيائِهم )) أي عصيانهم وجدالهم لهم فيما جاءوا به .
الفرق بين الأمر والنهي
هذا الحديث من جوامع النبي صلى الله عليه وسلم بين فيه الفرق بين الأمر والنهي , فقال في النهي (( ما نَهَيتُكُمْ عَنْهُ ، فاجْتَنِبوهُ )) فجعل الواجب إجتنابه مطلقا , أما الأمر فقيده بحسب الإستطاعة فقال (( وما أمرتُكُم به ، فأتُوا منهُ ما استطعتُم )) , فجعل النبي صلى الله عليه وسلم النهي مبنيا للإجتناب مطلقا وأما الأمر فهو مبني على الإستطاعة , وقد ورد في القرآن الكريم أيضا تقييد الأمر بالإستطاعة فقال (( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )) .
وسبب هذا التفريق أن النهي ترك وابتعاد بلا قيد وكل إنسان يستطيعه, وأما الأمر فقد ترتبط به جزئيات وشروط قد تكون في مقدور المكلف وقد لا تكون في مقدوره , فمن لم يستطع القيام في الصلاة وهو شرط فيها صلى قاعدا , ففي البخاري من حديث عمران بن حُصين رضي الله عنهما قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : (( صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنبٍ )) . فقوله (( فأتُوا منهُ ما استطعتُم )) يعني أن المكلف يأتي من العمل بقدر ما يستطيع .
كثرة المسائل والإختلاف على الأنبياء سبب الهلاك
بين النبي صلى الله عليه وسلم أن من أسباب الهلاك كثرة المسائل , والمراد بكثرة المسائل تلك التي لا فائدة من ورائها , أو هي مجرد تعنت فحسب كسؤال بني إسرائي لموسى عن البقرة التي أمرهم الله بذبحها , ولو اكتفوا بأي بقرة لامتثلوا أمر الله عز وجل فقد كان سؤالهم سؤال تعنت .
فالمسائل التي لا فائدة فيها نهى الشرع عنها , وأما المسائل التي يحتاجها المكلف كمسائل الحلال والحرام ومعرفة الشرع فهي مطلوبة على وجه الإستحباب أو الوجوب .