recent
أخبار ساخنة

إرسال اليدين أم قبضهما في الصلاة عند الإمام مالك

الصفحة الرئيسية

 إرسال اليدين أم قبضهما في الصلاة عند الإمام مالك

من المسائل التي اختلف فيها علماء المالكية قديما وحديثا مسألة القبض والسدل في الصلاة ، وألفوا فيها رسائل متنوعة منهم من يرجح القبض ومنهم من يرجح السدل ، والمشهور في المذهب كراهة القبض واستحباب ارسال اليدين قال الخرشي ((أَيْ يُنْدَبُ لِكُلِّ مُصَلٍّ عَلَى الْمَشْهُورِ سَدْلُ أَيْ إرْسَالُ يَدَيْهِ إلَى جَنْبَيْهِ )) .

إرسال اليدين أم قبضهما في الصلاة عند الإمام مالك


أما الروايات عن الإمام مالك في مسألة القبض والسدل فأربعة أشهرها اثنتان ، الأولى رواية ابن القاسم في المدونة قال (( وَقَالَ مَالِكٌ: فِي وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ : لَا أَعْرِفُ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ ‌وَكَانَ ‌يَكْرَهُهُ وَلَكِنْ فِي النَّوَافِلِ إذَا طَالَ الْقِيَامُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ يُعِينُ بِهِ نَفْسَهُ)) ، والثانية أن القبض سنة وهذه رواية أشهب ومطرف وابن الماجشون من تلاميذ مالك ، والمعروف عند المالكية أنه إذا تعارضت رواية ابن القاسم مع رواية غيره قدمت رواية ابن القاسم .

بعد إقرار علماء المالكية ثبوت هذه الأقوال عن الإمام مالك ، اختلفت توجيهاتهم لها فالذين رجحوا رواية ابن القاسم على قاعدة المذهب قالوا معنى قوله (( لا أعرفه )) أي لا أعرفه هيئات الصلاة لا من فرائضها ولا من سننها ، وليس قول مالك (( لا أعرفه )) أي لا أعرف فيه حديثا صحيحا ، بل قد روى الإمام مالك حديث القبض في موطأه فقوله (( لا أعرفه )) أي لا أعرفه من عمل الناس عندنا ، قالوا لذا ترك الإمام مالك العمل بهذه الحديث لمعارضته العمل ، كما فعل في غير من الآحاديث وقد قال في رفع اليدين عند الركوع والرفع منه كما في رواية المدونة (( لا أعرف رفع اليدين في شيئ من تكبير الصلاة ...)) قال ابن القاسم معلقا على كلام الإمام مالك (( كان رفع اليدين عند مالك ضعيفا ... )) ، قال الشيخ عليش في شرح مختصر خليل (( وَبَقِيَ مِنْ تَأْوِيلَاتِ كَرَاهَةِ الْقَبْضِ مُخَالَفَتُهُ لِعَمَلِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى نَسْخِهِ وَإِنْ صَحَّ بِهِ الْحَدِيثُ )) .

واستدل هذا الفريق بجملة من الأدلة نذكر منها حديث أبا حميد الساعدي ((ثمَّ يُكبِّرُ حتَّى يقَرَّ كلُّ عظمٍ في موضعِهِ معتدلًا ثمَّ يقرأُ )) ووجه الدلالة قوله (( يقر كل عظم موضعه )) أي يثبت ويستقر في مكانه ومعلوم أن محل اليدين من الإنسان جنباه وذلك هو الإرسال بعينه ، قالوا ولذلك لم يروي الصحابي القبض في الحديث اكتفاء منه بذكر الارسال .

أما الفريق الثاني من المالكية الذين أخذوا برواية استحباب القبض ورجحوها على رواية ابن القاسم قالوا لأن روايات الجماعة مقدمة ، وهؤلاء أولوا قول مالك في المدونة (( لا أعرفه )) بتأويلات منها أي لا أعرفه من واجبات الصلاة ، ومنها (( لا أعرفه )) أي لا أعرف جواز الاعتماد بوضع اليدين في الفريضة ، فمحل الكراهة على هذا التأويل هو قبض اليدين في الصلاة من أجل الإعتماد وهذا التأويل هو الذي ارتضاه الأكثر ، وقيل إنما أنكره خوفا من إظهار المصلي خشوعا مصطنعا ، قال الشيخ خليل في مختصره ذاكرا لهذه التأويلات لقول مالك في المدونة (( وهَلْ كَرَاهَتُهُ فِي الْفَرْضِ لِلاعْتِمَادِ ، أَوْ خِيفَةَ اعْتِقَادِ وُجُوبِهِ ، أَوْ إِظْهَارِ خُشُوعٍ ؟ ‌تَأْوِيلاتٌ )) ، قال هذا الفريق فإذا انتفت هذه التأويلات فالأصل أن القبض من سنن الصلاة ومستحباتها ، وأنكر هذا الفريق أن تأويل قول الإمام مالك (( لا أعرفه )) أي لا أعرفه من عمل الناس عندنا .

واستدل هذا الفريق لقولهم بحديث سَهْلِ بْنِ سَعْدِ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ (( كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ قَالَ أَبُو حَازِمٍ لَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّهُ يُنْمِي ذَلِكَ ))

ملاحظات :

1 . ما ذكرناه هو أصل المسألة أما تفاصيلها والنقاش فيها فتجدها في الرسائل التي اعتنت بها عند كلا الفريقين لمن أراد الإستفادة أكثر .

2 . ثبت عن بعض أئمة السلف القول بالإرسال ، وإن كان أغلب أهل العلم من الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب الفقهية على استحباب القبض ، فقد عقد ابن ابي شيبة في مصنفه بابا سماه (( من كان يرسل يديه في الصلاة )) وذكر منهم عبد الله بن الزبير ، وابن سيرين وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ، قال ابن المنذر في الأوسط (( فَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُرْسِلُ يَدَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَرُوِيَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَاضِعًا إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى فَذَهَبَ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا )) وذكر النووي أنه مذهب الليث بن سعد فقيه مصر .

3 . وحيث قلنا أن القبض سنة على الرواية الثانية وعلى اختيار بعض من أئمة المذهب ومحققوه كالقاضي عياض وابن رشد وابن عبد البر وغيرهم ، فإن المستحب عند من قال بسنية الوضع عند المالكية أن توضع اليدين تحت صدره وفوق سرته ، قال الباجي المالكي في المنتقى ((وَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ تُوضَعُ الْيَدَانِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَيْسَ لِذَلِكَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَذْهَبُ وَضْعُهُمَا تَحْتَ الصَّدْرِ وَفَوْقَ السُّرَّةِ )) .

google-playkhamsatmostaqltradent