شرح الحديث الخامس حديث عائشة في النهي عن الإبتداع في الدين
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ » رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ : « مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ »
شرح حديث عائشة في النهي عن الإبتداع في الدين |
هذا هو الحديث الخامس من آحاديث الأربعين النووية , وهو أصل في إبطال المنكرات والبدع في الدين , وهو ميزان ظاهر الأعمال كما أن حديث النيات ميزان باطن الأعمال . فإن كل عمل ليس خالصا لوجه الله مردود , وكل عمل أيضا ليس على أمر الله ورسوله فمردود .
شرح حديث من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد
قوله (( مَنْ أَحْدَثَ )) أي أنشأ واخترع من عند نفسه , (( فِي أَمْرِنَا )) أي في شأننا وهو شرع الله عز وجل , (( مَا لَيْسَ مِنْهُ )) مما ينافيه الشرع أو لا تشهد عليه أدلته وقواعده العامة , (( فَهُوَ رَدٌّ )) أي فهو مردود غير مقبول ولا معتد به .
فهذا الحديث من قواعد الدين وأصوله العظيمة , فهو أصل في رد البدع والنهي عن الإبتداع في الدين , وهو أصل يستدل به لإبطال العقود الممنوعة وعدم ترتب ثمرتها عليها , وهو أصل لإبطال كل عبادة أو معاملة إختل شرط من شروطها أو ركن من أركانها .وقد استدل بهذا الحديث على أن النهي يقتضي فساد المنهي عنه .
ولهذا الحديث منطوق ومفهوم , أما منطوقه فيدل على أن كل عمل ليس عليه أمر شرع فغير مقبول , وأما مفهومه فيدل على أن كل عمل موافق لأمر الشرع فمقبول معتد به .
فالعبادات إن كانت خارجة عن الشرع بالكلية فمردودة من أصلها , كالتقرب إلى الله بما لم يجعله قربة وعبادة , وصاحبها يدخل في قوله تعالى (( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ )) , كمن نذر أن يصوم قائما لا يجلس ولا يستضل , فقيامه ليس قربة وإن اقترن بطاعة , فالقيام قربة في الصلاة وليس بقربة في الصيام .
ويدخل أيضا في القسم المردود كلية بحيث لا يقبل منه شيئ ما نهى الله عنه من العبادات إذا اقترن بها وصف ما كالصوم يوم العيد , أو الصلاة وقت النهي .
وأما العبادة فإن كان أصلها مشروع لكن المكلف أخل ببعض ما فيه أو زاد عليها ما ليس بمشروع , فهذا قد خالف الشرع ولكن يبقى الإشكال هل عمله هذا مردود من أصله غير مقبول بأكمله أم لا ؟ , والواجب في مثل هذا التفصيل , فإن كان ما تركه موجبا للبطلان بطل عمله كلية كمن أخل بالطهارة في الصلاة , فتكون صلاته مردودة وعليه إعادتها , وإن كان ما تركه لا يوجب بطلانا للعمل كالجماعة عند من أوجبها , فالعمل ليس مردودا بل هو ناقص الأجر .
وأما زيادة غير المشروع للعمل المشروع , فالزائد مردود بلا شك فلا يقبل منه ولا يثاب عليه , وهذا الزائد قد يعود على العمل بالبطلان كمن صلى الرباعية خمس ركعات , فعمله هذا مردود بأكمله , وقد لا يعود الزائد على أصل العمل بالبطلان كمن توضأ فغسل أربع غسلات , فيبطل الزائد وهو الغسلة الرابعة فقط .
وأم المعاملات فإن كان العمل يتضمن تغييرا لما حدده الشرع , كمن جعل عقوبة الزنا مالية فهذا مردود , وأما ما كان من العقود المنهي عليها في الشره فهذا موضع كثر فيه الخلاف والإضطراب هل يفيد الملكية أم لا يفيدها لكونه مردود .