حمل كتاب نقض المنطق الإنتصار لأهل الأثر ابن تيمية
التعريف بكتاب نقض المنطق ابن تيمية |
الكتاب في حقيقة أمره كان جوابا عن سؤال قدم للشيخ عن مذهب السلف في الإعتقاد , وأيضا عن مذهب غيرهم وأيهم هو الصواب , وما قوله في المنطق وما حكمه في الشرع , فكان هذا الكتاب الذي أخذ الذي هو أحد كتبيه في المنطق , فإن له كتابا أكبر حجما من هذا سماه (( الرد على المنطقيين )) , وكتابنا هذا لم يسمه الشيخ فسمي بتسميات أخرى منها (( الإنتصار لأهل الأثر )) .
ولما كان سؤال السائل يمكن إجماله في جزئيتين الأولى : عقيدة السلف والثانية المنطق الأرسطي , كان كتابه رحمه الله مقسما لقسمين , وقد استغرق القسم الأول ثلاثة أرباع الكتاب .
القسم الأول في بيان عقيدة السلف .
بدأ شيخ الإسلام حديثه في هذا الفصل ببيان اتباع ما كان عليه أصحاب رسول الله وأنه هو سبيل المؤمنين الذي تحرم مخالفته , ثم ذكر أن من سبيلهم في باب الصفات إثباتها وإجراؤها على ظاهرها ونفي الكيفية عنها , ثم أخذ في بيان أدلة هذا القول معرجا على ذكر أقوال الفقهاء كمالك والشافعي وسعيد بن جبير والحسن البصري وغيرهم من أئمة السلف .
ثم انتقل للحديث عن جزئية يذكرها الكثير من معاصريه وفيه انتقاص لمذهب السلف , فهم يقولون (( مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أحكم )) , فبدأ الشيخ في بيان الخطإ الفاحش الذي تتضمنه هذه العبارة , فبين أن مذهبهم أسلم وأحكم وأعلم , وأن مذاهب غيرهم ممن خالفوهم هي الأحق بوصفها بالجهل والحشو . وذكر أن مذهب أهل الحديث هو الأعدل والأصوب بين المذاهب الأخرى . وقد عقد الشيخ كلاما يقارن فيه بين أهل الحديث وأهل الكلام , وأطال الحديث في هذا الجانب .
كان ممن ذكر عن أهل الكلام أنهم أكثر الناس إضطرابا في الأدلة وتناقضا في الآراء والمواقف , بخلاف أهل الحديث فهم أقل الناس اضطرابا وتناقضا , ويرد عن اتهام أهل الحديث بالتقليد وإنكار العقل بحجج بينة واضحة . ثم قال أن كل طائفة أو إمام إنما يحمد عند الأمة بحسب قربه وموافقته لأهل الحديث .
ثم أخذ شيخ الإسلام ابن تيمية يتحدث عن مناهج العلماء في التعامل مع كلام الله ورسوله ممن زاغ عن سبيل المسلمين , فبين أنهم ثلاث طوائف وهم :
- أهل التخييل وهؤلاء النبوة عندهم التخييل , والأشياء التي يذكرونها لا حقيقة لها بل هي خيالات فقط وهذا قول الفلاسفة والباطنية .
- أهل التجهيل ويدعي هؤلاء أنهم اتباع السلف , فهم يقولون إن معان هذه الآيات غير معلومة , فلم يعلم رسول الله ولا أصحابه معانيها , وهؤلاء على عقيدة التفويض ويقولون أن السلف مفوضة .
- أهل التأويل وهؤلاء قالوا إن لهذه الألفاظ معان غير هذه الظواهر , والشرع لم يبين لهنا هذه المعاني فلا بد أن نبحث عنها بالعقل , فاجتهدوا في تأويل هذه الألفاظ , وهؤلاء هم المتكلمون من الجهمية والمعتزلة وأتباعهم . وقد أفاض الشيخ في بيان معنى التأويل والفرق بين المصطلح عليه , وما جاء به القرآن أو ذكره السلف رضي الله عنهم .
فهذا أهم ما تضمنه الجزء الأول من كتاب نقض المنطق , فقد كان حافلا ببيان مذهب السلف في الإعتقاد , وتفنيد بعض ما قيل عمن أخذ بعقيدتهم .
القسم الثاني نقده للمنطق
أصل هذا الجزء من الكتاب أنه جواب الشق الثاني من السؤال الذي وجه إليه , وهو هل تعلم المنطق فرض كفاية ؟ , فلما دخل المنطق الصوري إلى العالم الإسلامي , درسه العلماء وعرفوه وقاموا بشرحه كما أنهم درسوا بعضا من الآراء التي تنتقده كالرواقية , ومع ذالك فقد عرف موقف علماء الإسلامي إضطرابا وتباينا في تحديد الموقف منه .
وكان أشهر الذين قدسوا المنطق من علماء الإسلام هو الحجة أبي حامد الغزالي , بل إنه بالغ في الإعتداد به فجعله مقياسا للعلوم الدينية وغير الدينية وسماه (( القسطاس المستقيم )) , ودخل المنطق الأرسطي كثيرا من ميادين العلوم الإسلامية , فأصبحت ترى كثيرا من الجدليات الموجودة في تآليفهم مبنية على مسائل منطقية .
ومع ذالك فقد كان بعض من علماء المسلمين على النقيض من ذالك , رفضوه وقاموا بنقده وأشهر مقولاتهم فيهم (( من تمنطق تزندقة )) , وكان أشهر من تصدى لنقده والرد على أصحابه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبين هذا أحدهما .
بدأ شيخ الإسلام ابن تيمية حديثه عن المنطق بتفنيد قول من زعم أنه فرض كفاية , ذاكرا ذم علماء المسلمين له مستشهدا بالواقع أن كثيرا من العلماء في مختلف المجالات الدينية وغيرها كانوا لا يعرفونه , وقد كانت ردوده ترتكز على ركيزتين :
- الأولى : العلاقة بين الحد والتصور فهل الحد يفيد إدراك الحقائق ( التصورات ) , وهل هذه التصورات لا يدرك إلا به .
- الثانية : هل التصديق الذي هو الحكم على قضية ما لا يدرك إلا بالقياس .
بدأ حديثه عن النقطة الأولى ببيان فسادها بستة عشر وجها , فكان بذالك قد زاد خمسة أوجه عما ذكره في كتابه الآخر (( الرد على المنطقيين )) , وقد أعمل الرجل فكره وذهنه المتقد لنقد هذه الجزئية , وكان من أوجه النقد التي وججها إلى هذه العبارة أن المتكلمين بالحدود المنطقية هم القلة من الناس , فواضحها أرسطوا ثم اتبعه فيها بعض الناس , وقد كانت العلوم قبل أرسطوا وبعده وكثير من أهله لم يتعلم هذه الصنعة ولا تكلفوها في علومهم كالحساب والطب , ومع ذالك فقد احكموا هذه العلوم وفهموها .
وكان أبرز انتقاد وجهه ابن تيمية على ما يسمى الحد التام , الذي يقول عنه المناطقة أنه يتيح لنا تصور الماهية , فالحد التام يرتكز على مقدمتين فاسدتين وهما :
- التفريق بين الوجود والماهية
- التفريق بين الذاتيات واللوازم الذاتية , فقد اعتبر أن التفريق بينهما تحكم محض .
وبعد أن انهى ابن تيمية نقده للحدود انتقل لنقده للقياس لدى المناطقة فذكر في ذالك خمسة أوجه , فبين أن أكثر القياسات التي يتحدث عنها هؤلاء فطرية , وقد وجه انتقادين للمناطقة , الأول حول شروطه التي وضعوها بشأن عدد المقدمات ومضمونه , فقد تحتاج بعض الأقيسة إلى أكثر من مقدمة , وأيضا اعتبارهم أن القياس هو السبيل الوحيد لإدراك التصديقات .
وقد عاب ابن تيمية اعتبارهم قياس التمثيل أقل قوة وأقل دلالة من قياس الشمول , ويخلص ان اليقين لا يأتي من شكل القياس بل من محتواه .
لقد تطرق ابن تيمية بصفة خاصة للقياس المنطقي في جانب الإلاهيات , ولذالك فإنه يطرح بديلا قرآنيا فإنه يرى أن القياس المنطقي ليس وحيدا في الإفضاء إلى المعلوم , بل قد يستدل بوجود شيئ على لزوم وجود شيئ آخر , وهو ما يطرحه القرآن الكريم بالتنبيه على الآيات , كما نبه أن القرآن يستعمل في المطالب الإلهية قياس الأولى لا قياس الشمول ولا قياس التمثيل .
منهج ابن تيمية في كتابه
هذه بعض من الملامح التي تعطينا فكرة عامة عن منهجه في كتابه (( نقض المنطق )) , وإلا فإن كلاما يسير لا يمكن أن يلم بكل جزئية عن منهج الشيخ
- المسائل التي ذكرها في كتابه هذا تحدث عنها في مؤلفات عديدة , لذا فكثير منها تحدث عنها هنا دون إسهاب .
- اللين في المحاورة مع المخالف والدب في نقده , والإنصاف في عرض رأي المخالف واتخاذ موقف منه .
- الإعتراف بالنقص حتى وغن كان في جانب مذهبه , فهو يذكر ان بعضا من أهل الحديث يصيبه الغفلة وعدم الدقة في الفهم .
- الإستشهاد بنصوص الكتاب والسنة والإكثار منها ما أمكن .
- سعة إطلاعه على المذاهب من مختلف مشاربها , ومعرفته بأقوالهم وضبطه للمصطلحات والمفاهيم جيدا .
- في كثير من الأحياء ينقل من حفظه .