الهوية الأمازيغية والهوية العربية في فكر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
مما يثيره أعداء الأمة قديما وحديثا مشكلة التعدد العرقي عبر كامل ربوع الوطن , فصرنا اليوم نسمع عن حركات إنفصالية فبعضهم يطالب حكما ذاتيا وبعضها يطالب بالإستقلال التام .
الهوية الأمازيغية والهوية العربية في فكر جمعية العلماء المسلمين |
ففي العراق مثلا وسوريا وتركيا تبرز مشكلة الأكراد , وفي الجانب الآخر من العالم الإسلامي , ففي المغرب العربي الكبير تبرز قضية الأمازيغ ولعلى هذه القضية مفتعلة من العهد الإستعماري .
لقد كان من قلائل الأمة الحكماء ممن عالجوا هذه القضية الشائكة بحكمة وروية , ونظرة شرعية متكاملة تجمع ولا تفرق , قاطعا بذالك الطريق أمام المغرضين الذين يحاولون زرع الشقاق بين الأمة الواحدة هو الشيخ عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين .
لقد أدركت الجمعية أنه لا مجال للشقاق ولا الدخول في هذه المعارك التي تهدر الوقت والمال والجهد , فهذا الشيخ عبد الحميد ابن باديس يقول في آثاره (( إن أبناء يعرب وأبناء مازيغ قد جمع بينهم الإسلام )) , ثم يضيف قائلا في كلام بديع جميل (( وقد كتب أبناء يعرب وأبناء مازيغ آيات اتحادهم على صفحات هذه القرون بما أراقوا من دمائهم في ميادين الشرف لإعلاء كلمة الله، وما أسالوا من محابرهم في مجالس الدرس لخدمة العلم )) , ثم يستغرب من أولئك المرجفين الذين يحاولون زرع الفتنة بين أبناء الدين الواحد الذين آخاهم الإسلام , وشد أزرهم ورفع شأنهم , فبه إرتفع العرب والآمازيغ على حد سواء , ثم يقول في كلام جميل وصادق (( فأي قوة بعد هذا يقول عاقل تستطيع أن تفرقهم... نعم إننا نتحد لننفع أنفسنا، وننفع إذا استطعنا غيرنا)) .
هذا هو الإسلام يجمع بين الهويات وبين القوميات يناديهم بلسان المساواة كلكم لآدم وآدم من تراب واكرمكم عند ربكم أتقاكم وأعبدكم له واعلمكم به .
إن محاولات التفريق بين الأمة الواحد قديمة ولم يكن هذا خافيا على رجال جمعية العلماء المسلمين , فاليهود لما رأو الألفة التي خلقها الإسلام بين الأوس والخزرج لما دخلوا الإسلام , إمتلأت قلوبهم حقدا وحسدا فحاولوا إثارة العداوة بينهم في واقعة غريبة ورسول الله بينهم , ولكن سرعان ما أطفأ نور النبوة نار الحمية الجاهلية .
إن أعداء الأمة يتكتلون بكل أعراقهم تحت راية من الرايات لأجل أن يجدوا لهم موضع قدم في عالمنا الإسلامي , وليس هذا خفيا على كل مخلص أو مصلح , وقد أدرك الشيخ عبد الحميد ابن باديس هذه المكيدة الإستعمارية , فواجهه وأصحابه من أبناء الجمعية بحكمة .
إن من أكبر أسباب نجاح مكيدة التفرقة ضعف الوازع الديني عند البعض , أو لجهله بحقيقة الإسلام وموقفه من القوميات , أو لردة فعل دخل في صراع نحن في غنى عنه , وظن أن الإسلام يحارب الهوية العرقية ويجعلها تنحل فيه كما ينحل الملح في الماء .
لم يكن الإسلام يوما كذالك , فقد دخل الصحابة البلدان وما غيروا لغاتهم وما حاربوها , بل علموهم اللغة العربية لتعلم القرآن فهي لغة الدين وذالك فضل الله يؤتيه من يشاء , وتركوهم ولغاتهم المحلية وحتى عاداتهم فلم يغيروها بل علموهم أن الشرع هو الحاكم , فما خالف الشرع من العادات تركوه ولو كانت عادة عربية وما لم يخالفه فلهم البقاء عليه ولو كانت عادة أمازيغية .
هذا منهج الإسلام مع كل القوميات عربية كانت أم لا , فهو لما جاء إلى العرب غير كثيرا من عاداتهم وأبقى على البعض الآخر , ولأجل هذا تجد اليوم لباس المسلمين مختلفة من مكان لآخر , فلبسا المسلمين من الأفارقة مختلفة عن مسلمي شرق آسيا , فلم يفرض الصحابة لباس الحجاز ولا عاداتهم على أية قومية أو بلد .
الأمازيغ والعرب عند الإمام عبد الحميد ابن باديس |