من هم القصاص الذين حذر منهم السلف ؟
القصاص فئة لهم أوصاف خاصة يعرفون بها , ظهروا أيام السلف الصالح فحذروا من الكثيرين منهم , وكتب العلماء حولهم , فمن هم القصاص وبماذا يتميزون ؟ وهل الوعاظ من هذا الصنف ؟
لقد أنزل الله عز وجل القرآن الكريم فجعله أعظم واعظ , قال تعالى (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ )) , ويرتكز القرآن في مواعظه على ثلاث ركائز :
الأولى الإثارة الوجدانية : وذالك بالتخويف من العقاب واليوم الآخر وأهواله , أو الترغيب في النعيم والجنان وأحوال أصحابها .
الثانية المحاكمة العقلية : وتأتي في صور شتى كالمقارنة بين حال وحال , أو عرض للآيات الدالة على قدرة الله وتفرده بالملك .
الثالثة قصص الأمم السابقين : والقرآن ملئ بذا النوع من القصص , ولا تكاد تخلوا سورة إلا بذكر قصة أو الإشارة إليها , وقد سميت سورة كاملة بالقصص , بل تخللت القصة بعضا من قصار السور السور كسورة الفيل .
لقد جعل القرآن الكريم القصة من أساليب الموعظة , فيعقب بعد قصة أصحاب السبت من بني اسرائيل قائلا (( فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ )) , وقال في قصة يوسف (( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى )) والعبرة هي الموعظة .
ولذا فإننا نستطيع القول أن من تحدث عن قصص القرآن شارحا لآياتها واستنباطا لمعانيها وتقريرا لفوائدها فلا يعتبر قاصا , وكيف يكون قاصا وهو إنما قص ما قصه القرآن .
ومن تحدث عن صحيح قصص النبي صلى الله عليه وسلم فليس قاصا , فقد كان رسول الله يتخول أصحابه في مجالسهم أحيانا بالقصص , وقد جمعت هذه القصص في مؤلفات عدة , وفيها ما فيها من الفوئد العظيمة من تقرير للتوحيد ومنابذة للشرك إلى الحث على مكارم الأخلاق والتحذير من سيئها .
فمن هم القصاص الذين حذر منهم علماء السلف ؟؟
المتأمل في كلام السلف يجد أنهم لم يذموا القص على إطلاقه , فقد قال الإمام أحمد : (( القصاص الذي يذكر الجنة والنار والتخويف وله نية وصدق الحديث ، فأما هؤلاء الذين أحدثوا من وضع الأخبار والأحاديث فلا أراه )) انتهى .
ولم يجعل علماء الجرح والتعديل في عهد السلف القص سببا للجرح بإطلاق , فقد وثق علماء الحديث جماعة من القصاص كسعيد بن حسان المخزومي , الذي كان يعرف بقاص أهل مكة , فقد وثقه ابن المعين النسائي وأيضا ممن وثق وكان قاصا ثابت بن أسلم البناني .
وقد جمع بعض الأفاضل سبب تحذير السلف من القصاص فوجد أنها تتمحور في أربعة نقاط يبنبغي الحذر منها , وإلا دخل صاحبها في الذم وهذه النقاط هي :
- الكذب قال الإمام أحمد : إذا كان القاص صدوقاً فلا أرى بمجالسته بأساً .
- الزيادة في الحديث والتهويل والمبالغة في أحداثه حتى يبدوا غريبا .
- الإكثار من القص والمداومة عليه بحيث تصبح عادة ، وسئل الأوزاعي عن القوم يجتمعون فيأمرون رجلا فيقص عليهم فقال : إذا كان ذلك يوما بعد الأيام فليس به بأس .
- عدم ذكر العلم المفيد فيكون القصد من القصص تضييع للوقت واستمتاع به فالنفوس تأنس بمثل هذه الآحاديث , فلا بد أن يكون القصد منها التعلم والوعظ ، يقول ابن الجوزي : " وإنما ذُم القُصَّاصُ لأن الغالب منهم الاتساع بذكر القَصَصِ دون ذكر العلم المفيد...".
فهذا هو الصنف من القصاص الذي حذر منهم السلف , وفي غالب الأحوال يكون قصد هؤلاء الشهرة بغرائب مل يروونه لجذب أسماع الناس , فيهولون الأحداث وذكرون أحاديث ضعيفة وقصص مكذوبة .
وينبغي أن يعلم أن من أخطأ مرة أو مرتين فذكر حديثا ضعيفا ولم تكن هذه عادته , فلا يقال أنه ممن يقص بالاحاديث الضعيفة والقصص المكذوبة .
وعلى هذا فإن اتهام بعض من الدعاة اليوم ممن تصدوا لوعظ الناس وتذكيرهم بأنهم قصاص خطأ , وفي بعض من الأحيان يكون القصد صد الناس عنهم , فمن ذكَّر الناس بالنار والجنة أو بقصص السابقين مما صح في السنة أو ذكر في القرآن , أو جاء عن سلف الأمة فليس من القصاص .