المسح على الجورب في المذاهب الأربعة
مسألة المسح على الجوارب من المسائل التي وقوع الخلاف فيها بين الفقهاء , بين مانع منها بإطلاق وبين مجيز وفق شروط ذكروها , سنلتزم في هذا المبحث بذكر أقوال أئمة المذاهب وأبرز الشروط التي اشترطوها في المسح على الجورب .
حكم المسح على الجوارب في المذاهب الأربعة |
المتتبع لأقوال أئمة المذاهب الأربعة في هذه المسألة يجد أن نوعا من الجوارب قد اتفقوا على عدم جواز المسح عليها , وهي الجوارب الرقيقة التي لا يمكن متابعة المشي عليها عند أغلبهم , أما غيرها المجلدة أو المنعلة أو الثخينة ( الصفيقة ) فهي محل خلاف , وهذا تفصيل الأقوال لدى المذاهب .
المسح على الجوارب في المذهب الحنفي
يجوز المسح على الجوربين باتفاق إذا كان مجلدين أو منعلين , ولا يجوز المسح على الجوربين الرقيقين باتفاق بينهم , أما الجوارب الثخينة ففيها خلاف عندهم , قال في بدائع الصنائع :
(( وَأَمَّا الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ، فَإِنْ كَانَا مُجَلَّدَيْنِ، أَوْ مُنَعَّلَيْنِ، يُجْزِيهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مُجَلَّدَيْنِ، وَلَا مُنَعَّلَيْنِ، فَإِنْ كَانَا رَقِيقَيْنِ يَشِفَّانِ الْمَاءَ ، لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَا ثَخِينَيْنِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ يَجُوزُ. ))
ومعنى قوله يشفان الماء أي يصل بلل المسح إلى القدمين , وقد روي عن أبي حنيفة أنه رجع في آخر حياته للقول بجواز المسح على الجوربين الثخينين , وهو الذي استقر عليه مذهب الأحناف , قال في الإختيار لتعليل المختار بعد أن حكى رجوع أبي حنيفة للقول بالجواز (( ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَا ذَكَرْنَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى )) .
وقد فسر الحنفية الثخين بتفسيرين الأول : لا يشف أي لا يمتص الماء كما مر في بدائع الصنائع , والثاني : الثخين ما أمكن متابعة المشي عليه , قال في البحر الرائق (( الَّذِي اسْتَصْوَبَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ حَدَّهُ بِمَا تَضَمَّنَهُ وَجْهُ الدَّلِيلِ، وَهُوَ مَا يُمْكِنُ فِيهِ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ )) وقد حددوا مسافة المشي بمسافة السفر وهي عندهم فرسخ أي حوالي خمس كليمترات ونصف .
المسح على الجوارب في المذهب المالكي
المعروف في المذهب أنه لا يجوز المسح على الجوربين دون خلاف في المذهب سواء كان ثخينين أم لا , أمكن متابعة المشي عليهما أم لا , أما الجوربين المجلدين فراويتين عن الإمام مالك قال ابن عبر البر في الكافي (( ولا يمسح أحد على الجوربين. فإن كان الجوربان مجلدين كالخفين مسح عليهما وقد روي عن مالك: منع المسح على الجوربين وإن كانا مجلدين والأول اصح )) .
المسح على الجوارب في المذهب الشافعي
نقل المزني في مختصره عن الإمام الشافعي أنه لا يجوز المسح على الجوربين إلا أن يكونا مجلدين وفاقا للمشهور من مذهب المالكية , وقد نص الشافعي في الأم أنه يجوز المسح على الجورب إذا كان صفيقا منعلا .
قسم الماوردي في كتابه الحاوي الجوارب لأقسام , فالأول وهو الجورب المجلد وهذا يجوز المسح عليه , والثاني جورب غير مجلد وغير منعل فلا يجوز المسح عليه والثالث : منعل من الأسفل ولكنه يشف فيصل بلل المسح إلى القدم فهذا أيضا لا يجوز المسح عليه والرابع : منعل من الأسفل ولكنه لا يشف ويمنع وصول بلل المسح إلى القدم فهذا مختلف في جواز المسح عليه .
ويذكر النووي في المجموع أن هذه المسألة محل إضطراب عند الشافعية , وقد وجه بعض الشافعية قول الشافعي أنه إنما اشترط ما نقلوه عنه لأن الجوارب غالبا لا يمكن متابعة المشي عليها إلا إذا كانت مجلدة , قال النووي في المجموع (( وَالصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَفَّالُ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ جَازَ كَيْفَ كَانَ وَإِلَّا فَلَا وَهَكَذَا نَقَلَهُ الْفُورَانِيُّ فِي الْإِبَانَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَجْمَعِينَ )) .
المسح على الجوارب في مذهب الحنابلة
يجوز المسح على الجوارب عندهم إلا أنهم وضعوا شرطا وهو ثخونتها بحيث يمكن متابعة المشي عليها عرفا , قال المرداوي في كتابه الإنصاف (( (" إمكان المشي فيه " قال في الرعاية الكبرى: يمكن المشي فيه قدر ما يتردد إليه المسافر في حاجته في وجه. وقيل: ثلاثة أيام أو أقل)) .
في شرح العمدة لابن تيمية بعد أن ذكر شرط متابعة المشي لجواز المسح على الجورب قال (( وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا يَتَخَرَّقُ فِي الْيَوْمَيْنِ أَوِ الثَّلَاثَةِ أَوْ لَا يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ لَمْ يُمْسَحْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِي مِثْلِهِ لَا يُمْشَى فِيهِ عَادَةً وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى الْمَسْحِ عَلَيْهِ ))