recent
أخبار ساخنة

أدلة جواز المسح على الجوارب مناقشة وتلخيص للمسألة

الصفحة الرئيسية

أدلة جواز المسح على الجوارب مناقشة وتلخيص للمسألة


مسألة المسح على الجوارب المعاصرة ( الشراب ) من المسائل التي كثيرا ما أثارت الجدل بين عامة الناس , ولعلها أحيانا أثارت لغطا وخلافا في المساجد , ولأن البعض ممن يرى جواز المسح عليها يعتقد أن أدلة المانعين من المسح إلا بشروط  ذكروها لا تتوافر في الجوارب العصرية ضعيفة , فقررت أن أبين وجهة نظرهم ليعلم الناظر قوة مأخذهم ودليلهم .
أدلة جواز المسح على الجوارب مناقشة وتلخيص للمسألة
أدلة جواز المسح على الجوارب مناقشة وتلخيص

أولا صورة المسألة وتلخيص مذاهب العلماء في المسح على الجوارب


إن المسح على الخفين جائز إجماعا بالشروط العروفة لدى الفقهاء والخفان يكونان مصنوعان من جلد , وأما الجوارب فهي مصنوعة من كتان أو صوف . 

إختلف فقهاء المذاهب الأربعة في شروط المسح على الجوارب , فالإمام مالك لا يٌجَوِّز المسح عليهما إلا أنا يكون جلد على ظاهرهما وباطنهما أي مجلدين , وغيرهم من المذاهب الفقهية أجازوا ذالك بشرط أن يمكن متابعة المشي عليهما , وقد نقل ابن قدامة في المغني كلاما للإمام أحمد أن الجوارب المعهودة في زمن الصحابة كانت بمنزلة الخف بحيث (( يَذْهَبُ فِيهِ الرَّجُلُ وَيَجِيءُ )) , فهو صريح في قدرتها على الإحتمال وصريح في إمكانية المشي عليهما لوقت طويل .

وقد أجاز بعض المعاصرين كالشيخ ابن العثيمين وغيره جواز المسح على كل أنواع الجوارب , حتى الرقيقة منها المعروفة عندنا باسم (( الشراب )) , ولمعرفة تفصيل أقوال المذاهب يرجى قراءة الموضوع الذي على الرابط :


ثانيا مناقشة أدلة من أجاز المسح على الجوربين 


أما من منع المسح على الجوربين بإطلاق سواء أمكن متابعة المشي عليهما أم لا كالمالكية , فدليله أن الأصل هو غسل القدمين , وقد جاء استثناء جواز المسح على الخفين بنصوص متواترة , ولم يصح في جواز المسح على الجوارب شيئ , وحديث المغيرة الذي سنذكره ضعفه الحفاظ , والقياس على الخف قياس مع الفارق ثم إن الرخص لا يقاس عليها , وما جاء أن الصحابة قد مسحوا على الجوارب فالمقصود الجوارب المجلدة .

أما من منع المسح على الجوارب الرقيقة وأجاز المسح على الثخينة التي يمكن متابعة المشي عليها , فالعمدة عندهم حديث المغيرة وفعل الصحابة والقياس , وسبب تخصيص جواز المسح بالجوارب الثخينة دون الرقيقة أنها هي المعهودة عند الصحابة , وأما الرقيقة فلم تكن معروفة عندهم كما مر ذكره عن الإمام أحمد .

وهذا النوع من الجوارب وهو الثخينة الخلاف فيه قوي معتبر وهي قليلة أو غير موجودة في عصرنا , أما نقاشنا فسيكون حول جواز المسح على الجوارب الرقيقة ( الشراب ) المنتشرة عندنا بكثرة . المتأمل في دليل هؤلاء يجد أننا يمكن أن نقسمها لأربعة أقسام .

1/ حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه في الترمذي وغيره (( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسح على جوربيه ونعليه )) . والحقيقة أن هذا الحديث أغلب |أئمة الحديث ضعفوه , كما ذكر المباركفوري في تحفة الأحوذي وذكر منهم أحمد بن حنبل والنَّسَائِيُّ والْبَيْهَقِيُّ وعبد الرحمن بن مهدي وسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَ الإمام مسلم وعَلَيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ .

ثم قال ناقلا كلاما قيما للنوي وفيه (( قَالَ النَّوَوِيُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ لَوْ انْفَرَدَ قُدِّمَ عَلَى التِّرْمِذِيِّ )) ثم نقل عنه أيضا هذا الكلام وفيه (( قَالَ - أي النووي - وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى تَضْعِيفِهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ إِنَّهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ )) , إذن فأغلب علماء الحديث الأجلاء ضعفوا الحديث .

2 / ولذالك لم يعمل الإمام أحمد بحديث المغيرة في المسح على الجوربين لأنه يضعفه , بل أعتمد على فعل الصحابة كما قرره ابن القيم زاد المعاد . فدليلهم الثاني هو فعل الصحابة .

وقد علق على هذا الدليل المباركفوري بأنه لم يثبت أن جواربهم كانت رقيقة لا يمكن متابعة المشي عليها , وقد مر وصف الإمام أحمد لجوارب الصحابة التي هي أشبه بالخف , بخلاف جواربنا اليوم فلا يمكن الإدعاء أبدا أننا نستطيع المشي عليها ذهابا وأياب إلا داخل المنازل وهم كانوا يمشون بها خارج المنازل .

3 / الإعتماد على القياس فقاسوا الجوارب على الخفاف , وممن ذكر هذا القياس ابن القيم فقال (( فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ بَيْنَ الْجَوْرَبَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ فَرْقٌ مؤثر)) , وعلق المباركفوري على ابن القيم قائلا أنه إذا كانا ثخينين ويمكن المشي عليهما فلا فرق بين الجورب والخف , أما الجوربان الرقيقان ولا يمكن المشي عليهما فالفرق واضح ولذالك فلا يصح القياس .

4 / واحتج بعضهم بأمر النبي للصحابة في إحدى غزواته (( أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ )) , قالوا ووجه الإستدلال أن التَّسَاخِينُ جمع معرف فيفيد العموم في كُلُّ مَا يَسْخُنُ بِهِ الْقَدَمُ والجوارب تستعمل لتسخين القدم , ورد المباركفوري هذا الإستدلال من وجهين : 

  • الأول ضعف هذا الحديث فقال (( هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ فَإِنَّهُ مُنْقَطِعٌ )) والمنقطع من أقسام الضعيف فلا يحتج به .
  • والوجه الثاني وعلى فرض صحته فإننا لا نسلم أن التساخين هو ما ذكرتموه , فإن التساخين هي الخفاف عند أهل اللغة على أحد أقوالهم وبذالك فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ مُطْلَقًا ثَخِينَيْنِ كَانَا أَوْ رَقِيقَيْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ .

تلحيص المسألة 


1 . المسح على الجوارب اللتي يمكن متابعة المشي عليها هو المقصود عند من أجاز ذالك من أئمة المذاهب الأربعة كما مر , ولم يجوزا المسح على الرقيقين باتفاق بينهم .
2 . النصوص التي استدل بها من أجاز المسح على الجوربين الرقيقين أغلب علماء الحديث لا يصححونها .
3 . حمل الجوارب المعروفة عند الصحابة رضي الله عنهم على الجوارب الرقيقة المعروفة عندنا فيه إشكال كبير, وقد ذكر الامام أحمد أن جواربهم كان يمكن متابعة المشي عليها ذهابا وأيابا .
4 . السلامة للدين خاصة في أمر كالصلاة هو ترك المسح على الجوارب الرقيقة , وقد رأيت ما فيه من كلام أهل العلم , بل وادعى الحافظ ابن القطان أن هناك إجماعا على عدم جواز المسح عليها , فقد قال في كتابه الإقناع في مسائل الإجماع (( وأجمع الجميع أن الجوربين إذا لم يكونا كثيفين لم يجز المسح عليهما )) فإن ثبت الإجماع فالحجة فيه , وإن لم يثبت دل على أن المخالف قليل حتى خُفي أمره .
google-playkhamsatmostaqltradent