ما الفرق بين الخوارج والبغاة عند الفقهاء ؟
الخارجون على الحكام بالسلاح أصناف , لعلك تسمع عند الفقهاء مصطلحي الخوارج والبغاة ولا تدري الفرق بينهما , إن كثيرا من الناس لا يفرق بين الطائفتين فينزل النصوص في غير موضعها .
الفرق بين البغاة والخوارج |
إتفق أهل السنة والجماعة أنه لا يجوز الخروج على الحاكم العدل , وأما الحاكم غير العادل فإن كان فاسقا فسقا غير مكفر فالجمهور منهم على حرمة الخروج عليه كما قال ابن حزم في الملل والنحل , وبعض العلماء قال إن خلافا قديما كان ولكنه بعد ذالك قد استمر الإجماع على حرمة الخروج عليه .
وسواء ثبت الإجماع على حرمة الخروج على الحاكم الفاسق الجائر , أو كان قول الأكثر فإن النصوص الصحيحة الصريحة قطعية في تحريم الخروج عليه ما لم يُظهر كفرا بواحا .
أما إن ظهر منه كفر بواح فيجوز حينها الخروج عليه من حيث الأصل , أما من حيث التنزيل - التطبيق - فالأمر راجع للموازنة بين المصالح والمفاسد المحتملة جراء الخروج عليه .
وتفصيل الكلام في هذه المسألة ليس موضوعنا , بل موضوعنا هو التفريق بين الخوارج والبغاة وكلاهما قد يتفقان في الخروج على الحاكم , فموضوعنا هو جواب سؤال هل كل من خرج على الحاكم فهو من الخوارج , وهل تنزل عليه النصوص الواردة في الخوارج .
يُقسم جمهور العلماء الخارجون على الإمام لأقسام , ويفرقون بين أنواع الخروج كما يفرقون بين البغاة والخوارج وهو الذي نصره ابن تيمية , قال ابن تيمية في مجموع الفتاوي :
وَأَمَّا جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ «الْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ» وَبَيْنَ «أَهْلِ الْجَمَلِ وصفين» وَغَيْرِ أَهْلِ الْجَمَلِ وصفين. مِمَّنْ يُعَدُّ مِنْ الْبُغَاةِ الْمُتَأَوِّلِي نَ. وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ الصَّحَابَةِ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّم ِين وَعَلَيْهِ نُصُوصُ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ وَأَتْبَاعِهِمْ : مِنْ أصحاب مَالِكٍ وَأَحْمَد وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
فالبغاة ماستجمعوا شروطا ثلاثة ذكرها الشيخ ابن عثيمين في شرح الزاد :
1 . قوم أي مجموعة فلو خرج واحدا فليس باغيا , وهؤلاء القوم يجتمعون فيمنعون الحقوق عن الإمام .
2 . لهم شوكة ومنعة أي لهم قوة يحتاج الحاكم إلى جمع جيش وتسليحه لمواجهتم , فطبيعة السلاح المستعمل معتبرة فلو خرجوا بالسيوف في هذا العصر فلا يعتبر قوة لأنها لا تغنيهم شيئا عن قوة الحاكم , وفي عصور مضت فإنها تعتبر منعة وقوة .
3 . أن يكون لهم تأويل سائغ صحيحا كان أو خاطئا , قال الشيخ ابن عثيمين (( أي لم يخرجوا هكذا، بأن قالوا: لا نريد حكمك، بل قالوا: خرجنا عليك؛ لأنك فعلت كذا، وفعلت كذا، ونرى أن هذا يسوِّغ لنا الخروج عليك )) .
ملاحظات :
- إذا اختل أحد هذه الشروط فإنهم لا يعاملون معاملة البغاة بل معاملة قطاع الطرق - الحرابة - , وللحرابة شروط وأحكام ذكرها الفقهاء .
- هذه الشروط الثلاث متفق عليها , وبعض العلماء زاد شروطا اخرى .
- يطلق لفظ الخروج على البغاة باعتبار المعنى اللغوي , فالبغاة والخوارج يشتركون في خروجهم عن طاعة الإمام وهو فعل محرم , ولكن للخوارج سمات أخرى تجعلهم فرقة مستقلة , أما البغاة فليسوا فرقة عقائدية بل مجموعة لها مطلب سياسي أو إجتماعي أو ديني مؤقت .
أما الخوارج فهم فرقة من الفرق الضالة , فهم يُكفِّرون بأفعال لا تعتبر مكفرات في نظر الشرع , فلذالك يستحلون دماءهم وقتالهم .
قد مر القول أن البغي نوع من الخروج يطلق عليه بعض الفقهاء الخروج العام , وخروج الخوارج يطلقون عليه الخروج الخاص , ولكن ما يهُم في هذا التفريق هو ما يلزم من أحكام كل طائفة منهما , وليس مجرد الخلافات اللفظية في التسمية , فماذا ينجر عن هذا التقسيم ؟؟
حكم الخوارج وحكم البغاة عند الفقهاء
ينجر عن التفريق التمييز بين الطائفتين في عدة أحكام منها :
أن البغاة يُنَزَّل عليهم قول الله تعالى (( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )) .
قال الامام القرطبي في تفسيرها (( هذه الآية دليل على وجوب قتال الفئة الباغية المعلوم بغيُها على الإمام أو على أحد من المسلمين )) , فلاحظ قوله (( على الامام )) إذ من أصناف الخارجين على الإمام البغاة فليس كل من خرج على إمام سمي خارجيا بالمعنى الخاص المذكور في باب العقائد .
قال القرطبي في تفسيره ناقلا قول ابن العربي المالكي في تقريره أن الآية السابقة هي العمدة في إباحة قتال البغاة , فقال ((هَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ فِي قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْعُمْدَةُ فِي حَرْبِ الْمُتَأَوِّلِينَ، وَعَلَيْهَا عَوَّلَ الصَّحَابَةُ، وَإِلَيْهَا لَجَأَ الْأَعْيَانُ مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ، وَإِيَّاهَا عَنَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الباغية )) . فهذا هو الأصل الأول الذي أخذ منه العلماء أحكام البغاة .
والأصل الثاني الذي أخذ الفقهاء منه أحكام البغاة ما حدث بين الصحابة رضي الله عنهم من فتنة واقتتال , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في عمار رضي الله عنه (( تقتله الفئة الباغية )) .
أما الخوارج فهم الذين يُنزل عليهم قول رسول الله صلى الله عليهم وسلم (( يَخْرُجُ مِنْهُ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ )) وقوله (( لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد )) إلى غير ذالك من النصوص الواردة في ذكر أوصافهم والأمر بقتالهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوي :
(( وَأَمَّا «أَهْلُ الْبَغْيِ» فَإِنَّ الله تَعَالَى قَالَ فِيهِمْ :{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلى أَمْرِ الله فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إنَّ الله يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} فَلَمْ يَأْمُرْ بِقِتَالِ الْبَاغِيَةِ ابْتِدَاءً ... وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ: إنَّ الْبُغَاةَ لَا يُبْتَدَءُونَ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يُقَاتِلُواوَأَمَّا الْخَوَارِجُ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ: «أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وَقَالَ: «لَئِنْ أَدْرَكْتهمْ لَأَقْتُلَنَّهُ مْ قَتْلَ عَادٍ». ))