recent
أخبار ساخنة

تفسير(( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ )) من شرح الباب الأول كتاب التوحيد

الصفحة الرئيسية
تفسير(( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ )) من شرح الباب الأول كتاب التوحيد

هذه هي الآية الثانية التي استدل بها المصنف في الباب الأول من كتاب التوحيد , وهي قوله تعالى (( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ )) , وهي الآية رقم 36 من سورة النمل .
تفسير(( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ )) من شرح الباب الأول كتاب التوحيد
( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) 

قوله (( ولقد )) اللام هنا موطأة للقسم أي ممهدة له , فهذه اللام واقعة جوابا للقسم , ويقدر هذا القسم جملة أو فعلا , والتقدير أقسم بذاتي لقد بعثنا في كل أمة , وبذالك فهذه الجملة قد أكدت بثلاث مؤكدات وهي :
  • اللام الواقعة في جواب القسم .
  • القسم المحذوف المقدر .
  • حرف قد فهو للتأكيد , فحرف قد إن دخل على الفعل الماضي أفاد تحقق الوقوع , وإفادة تحقق الوقوع نوع من التأكيد .

وأما قوله (( بعثنا )) النون فيه للعظمة , ومعنى بعثنا أرسلنا وأصل الرِّسل فيه معنى البعث , فهو بَعْثُُ لكن فيه نوع من الرفق , وأما قوله (( كل )) من صيغ العموم إذا أريد بها ضم الذوات بعضها إلى بعض , وهذا هو الأصل فيها فلفظ (( كل )) يدل على ضم أجزاء الشئ والشئ الذي له أجزاء نوعان .

النوع الأول : الضم لذات الشئ وأحواله المختصة به , فكل هنا تفيد التمام إذ كان أجزاء الشئ غير منفصلة , كقوله تعالى (( ولا تبسطها كل البسط )) .

النوع الثاني : أن تكون أجزاء الشئ ذوات مستقلة منفصلة عن بعضها البعض . كما هو الشأن في هذه الآية .

فكل هنا تفيد العموم الذي هو الشمول , وهو المعنى الموجودة في الآية التي معنا , فقوله تعالى (( في كل أمة )) هذا لفظ شمل كل ما يصدق عليه أنه أمة , والأمة كل جماعة يجمعهم أمر ما إما الدين وإما الزمان وإما المكان , فالحكم عام وقد جاء مؤكدا في قوله تعالى (( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير )) , فهذا نص لا يحتمل التخصيص فمن جعل أن هناك قوم لم يدركوا الرسول السابق أو اللاحق وسماهم أهل الفترة فقد أخطأ .

وأما ما ورد من نص دالا على وجودهم , فلكي يصح التخصيص به يجب أن يكون صريح الدلالة في وجودهم , وإلا فيأول أن ذالك في الأفراد لا الأمم , وأما وجود أهل الفترة ويكونون أمة كاملة فهذا مخالف لعموم النصوص التي تفيد عموم الرسالات لكل الأمم , ومخالف لمقتضى ما خلق له , فقد خلقوا للعبادة وحينها لا بد من رسل لبيونها .

 وأما الرسول في الشرع فهو إنسان أوحي إليه وأمر بتبليغه على رأي الجمهور , فإن لم يؤمر بالتبليغ فعلى قولهم هو نبي وليس رسولا .

وأما قوله (( اعبدوا الله )) أي تذللوا له بالطاعة والعبادة , وقوله (( واجتنبوا الطاغوت )) وعبر باجتنبوا بدل اتركوا لإفادة غزارة في المعنى , فإن الترك يكفي فيه عدم مباشرة عبادة الطاغوت فقط . أما الإجتناب فهو الإبتعاد بحيث يكون هو في جانب , وأنت في جانب آخر .

قوله (( والطاغوت )) فعلى وزن فعلوت من الطغيان , وهو مجاوزة الحد في اللغة , وفي الشرع فقد عرفه ابن القيم فقال (( ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع )) , والمراد بالطاعة في الحكم الشرعي التبديل بأن يجعل الحلال حراما والحرام حلالا , فطاغوت كل قوم ما يتحاكمون إليه غير الله ورسوله .

وقال بعضهم إن لفظ الطاغوت لا يطلق إلا لمن كان راضيا باتخاذه معبودا , لأننا إن لم نشترط الرضا دخل في اسم الطاغوت سيدنا عيسى فقد اتخذوه معبودا , وظاهر النصوص يؤيد التعميم دون شرط الرضا , فحينها يكون إطلاق لفظ الطاغوت على مثل سيدنا عيسى عليه السلام باعتبار العابد , أي ان العابد هو الذي جعل سيدنا عيسى طاغوتا .

فإطلاق هذا الوصف باعتبار إتخاذ العابد له , ولكن لا يطلق فيقول عيسى طاغوت لكي لا يَهِم وخاصة عند العامة , إذن فنستثني من لا يرضى بعبادته على جهة الإطلاق العام , وأما على جهة التقييد فلا بأس فنقول هذا طاغوت عند عابده , أو قد جعل هذا طاغوتا فمن رضي أن يعبد فهو طاغوت بلا إشكال , ومن لم يرض بذالك فحينها فالنظر إلى ذالك باعتبار عابده أي قد اتخذه طاغوتا .

قوله تعالى (( أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت )) فيه نفي وإثبات , فالإثبات قوله (( اعبدوا )) والنفي قوله (( اجتنبوا )) , فلا يكون التوحيد توحيدا إلا إذا تضمن نفيا وإثباتا وهذه حقيقة لا إله إلا الله والكفر بالطاغوت يكون باعتقاد بطلان عبادته فتترك عبادة غير الله وتبغضها وتبغض اهلها وتعاديهم وتكرههم وفي الآية فوائد أخرى منها

الحكمة من إرسال الرسل وتتمثل في رحمة الله بخلقه قال تعالى (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) , وإقامة الحجة الرسالية على الخلق وقيام هذه الحجة تكون بالسماع بالرسول , فمن سمع به فقد قامت عليه الحجة فقد قال تعالى (( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا )) , فمن سمع به ولم يبحث عنه ولم يذهب إليه فقد أقيمت عليه الحجة , إنما الخلاف فيمن لم يسمع به أصلا فهذا في الدنيا مشرك قطعا وأما في الآخرة ففيه الخلاف وأمره إلى الله .

بعض ما يستفاد من الآية


  • الطريق إلى الله عز وجل موقوف على الرسل
  • أن العبادة هي التوحيد لأن الخصومة فيه
  • عموم الرسالة لكل أمة وأن دين الرسل واحد
  • لا تحصل العبادة لله وحده إلا بالكفر بالطاغوت
google-playkhamsatmostaqltradent