تفسير ( وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ) من شرح الباب الأول لكتاب التوحيد
قوله تعالى ( وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبَالِوالِدَيْنِ ِحْساناً ) هي الآية الثالثة التي أوردها المصنف في الباب الأول من كتاب التوحيد , سنقوم بتفسيرها وبيان ما تضمنته من الأحكام والتوجيهات .
قوله ( قضى ) فعل ماضي مشتق من القضاء , والقضاء فصل الأمر سواء كان الفصل بالفعل أو القول , وقضاء الله إما شرعي وهو الأمر والنهي أو كوني وهو تقدير حصول الأشياء في كونه , وفي هذا الآية المقصود به قضاؤه الشرعي , فيكون بمعنى أمر ووصى .
أما معنى القضاء في اللغة فهو يأتي بمعان عديدة , والقاعدة أن الألفاظ تحمل على حقائقها الشرعية التي دل عليها الدليل من كتاب أو السنة , فإن لم يكن ثَمَّت عرف شرعي رجعنا إلى معناها اللغوي , فإن كان لها في اللغة معان متعددة , فإن كانت متضادة رجح منها ما يقتضيه نص آخر , أو رجح بسياق هذا النص , وإن كانت المعاني غير متضادة حمل اللفظ على جميع معانيه وهو الراجح من قول الأصوليين ,
ولفظ القضاء ليس له حقيقة شرعية فيحمل على المعاني اللغوية , وفي اللغة يأتي بمعان مختلفة , وقد رجح في هذا الموضع الأمر الشرعي وهو طلب الله الفعل على جهة الإلزام من عباده لدلالة السياق , فقد قال بعد لفظ القضاء (( ألا تعبدوا إلا الله وبالوالدين إحسانا )) , فلو كان قضاء كونيا لما تخلف أحدا عن هذا الأمر ولن نجد إنسا عبد غير الله أو أساء لوالديه فدل أنه غير مقصود .
وقد قال الله في هذا الموضع (( ربك )) ولم يقل (( وقضى الله )) لأن الرب من مقتضيات الحكم , ومن هنا رجح أن الحاكمية من مفردات الربوبية وهو قول الأكثر .
ثم قال (( ألا تعبدوا إلا الله )) فهذا إستثناء مفرغ , لأنه لم يذكر المستثنى منه وتقدير الكلام (( وقضى ربك أن هو لا تعبدوا )) ففي هذه الآية تفسير للتوحيد وأمر به , فالعبادة هي توحيد الله عز وجل وقوله (( ألا تعبدوا إلا إياه )) تضمن نفيا وإثبات , نفي العبادة عما سوى الله عز وجل , وإثباتها له وهو معنى كلمة لا إله إلا الله فقد تضمنت النفي والإثبات كما تضمنته هذه الآية .