شرح حديث (( فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا )) نظرة حديثية تأصيلية فقهية
حديث (( إذا أُقيمتِ الصلاةُ فلا تأتُوها و أنتم تسعون ، و أتوها و أنتم تمشون ، و عليكم السكينةُ ، فما أدركتُم فصلُّوا ، و ما فاتكم فأَتِمُّوا )) أصل في الأمر بالسكينة وفي تقرير أحكام المسبوق في الصلاة في جميع المذاهب الفقهية , في هذا الموضوع سنقدم لكم تخريج وشرح هذا الحديث وأقوال المذاهب الفقهية فيه مع التأصيل والتدليل لكل مذهب .
تخريج حديث ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا
هذا الحديث متفق عليه وقد أخرجاه الشيخان من طريقين الأولى من طريق أبي هريرة رضي الله عنه , وأخرجه أيضا من طريق أبي هريرة بلفظ (( وما فاتكم فأتموا )) مالك وأبو داود والترمذي وأبوا ماجه والنسائي , وأما الإمام أحمد وابن حبان فقد رووه عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا (( وما فاتكم فاقضوا )) وعند مسلم (( واقض ما سبقك )) وهي من أفراد مسلم .
قال مسلم والبيهقي رواية هذا الحديث بلفظ (( فاقضوا )) لم يروها عن الزهري إلا ابن عيينة , قال الزيلعي في نصب الراية (( وفيما قالوه نظر )) , ثم ذكر رواية هذا اللفظ عن الزهري من غير طريق ابن عيينة , فقد رواها عنه معمر والليث ويونس و أبي ذئب , ثم قال (( فقد تابع ابن عيينة جماعة )) , وقد قال البيهقي (( والذين قالوا (( فأتموا )) أكثر وأحفظ وألزم لأبي هريرة فهو أولى )) , قال الشيخ تقي الدين (( اختلف في هذه اللفظة فقيل (( فأتموا )) وقيل (( فاقضوا )) وكلاهما صحيح )) .
الطريق الثانية من طريق أبي قتادة الأنصاري وقد أخرجها الشيخان وأحمد وابن خزيمة وابن حبان وابن أبي شيبة والبيهقي والدارمي بلفظ (( وما فاتكم فأتموا )) .
شرح حديث ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا وبيان ما فيه من الفوائد الفقهية
أولا : حكم السعي إلى الصلاة ومعنى السكينة والوقار .
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا فَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَ يَعْمِدُ إلى الصلاة )) أخرجه مالك في الموطأ .
في بعض روايات الحديث (( وعليكم السكينة والوقار )) , وقد فسر القاضي عياض السكينة بالوقار وقال التكرار هنا للتأكيد , وقال مثل قوله القرطبي , لأن السكينة من السكون والوقار من الإستقرار والتثاقل , وذهب النووي إلى أن بينهما فرقا , فقال السكينة في الحركات واجتناب العبث والوقار في الهيئة وغض البصر وخفض الصوت , والمشي من غير التفات كثير ونحو ذالك .
أما التثويب فمعناه الرجوع والإعادة , والمعنى هنا في الحديث إعادة الصوت بالإقامة , وقد جاء بلفظ الإقامة في رواية أخرى ولفظها (( إذا أقيمت الصلاة )) , وذكر الإقامة هنا خرج مخرج الغالب فليس له مفهوم , فالغالب أن من جاء إلى الصلاة وقد سمع الإقامة أنه يسرع , بخلاف من لم يسمعها فالغالب أنه لا يسرع , وعليه فإن الأمر هنا يشمل من جاء إلى المسجد وقد سمع الإقامة أو من جاء قبل الإقامة بل هذا حكمه من باب أولى أنه لا يسرع , وقد ذكرت علة النهي فقال (( فَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَ يَعْمِدُ إلى الصلاة )) فينبغي له أن يتأدب بهذا الأدب قبل الصلاة فهو في صلاة حتى تصلى .
قوله (( وأنتم تسعون )) السعي المشي على الأقدام بسرعة والإشتداد فيه والهرولة , ومنه السعي بين الصفى والمروة , وأما حكم السعي إلى الصلاة لمن سمع الإقامة وخشي فوات الركعة فاختلف فيه فقهاء السلف والخلف .
روى مالك عن نافع عن ابن عمر أنه سمع الإقامة وهو بالبقيع فأسرع المشي إلى المسجد , وعن ابن مسعود أنه قال أحق ما سعينا إليه الصلاة , وقد ذكر ابن عبد البر في التمهيد أن الأسود بن يزيد وعبد الرحمن بن زيد وسعيد بن جبير كانوا يهرولون إلى الصلاة .
قد نقل ابن عبد البر النهي عن الإسراع عن زيد بن ثابت وأبي الذر وقوفا مع ظاهر الحديث , فعن أنس قال خرجنا مع زيد بن ثابت إلى المسجد فأسرعت المشي فحبسني , وعن أبي ذر قال (( إذا أقيمت الصلاة فامش إليها كما كنت تمشي فصلي ما أدركت واقض ما سبقك )) .
وقف جمهور العلماء مع ظاهر الحديث في النهي عن الإسراع إلى الصلاة إذا سمع الإقامة أو لم يسمعها وسواء خاف فوات الركعة أم لم يخف , وفي سماع ابن القاسم أن مالكا سئل عن الإسراع إلى الصلاة إذا أقيمت فقال (( ما أرى بذالك بأسا ما لم يسع أو يخف فوت الركعة )) , وهذا مذهب المالكية وهو أن الإسراع الذي لا ينافي الوقار والسكينة جائز لما روي عن ابن عمر وقد تقدم . وسبب نهي النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء عن السعي أنه سمع صوت حركتهم ففي رواية أبي قتادة عند مسلم قال (( بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ : « مَا شَأْنُكُمْ؟ » قَالُوا : اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلاَةِ )) فنهاهم , مما يؤكد أن سعي هؤلاء كان شديدا .
وروي عن الإمام أحمد أنه قال (( ولا بأس - إذاطمع أن يدرك التكبيرة الأولى - أن يسرع شيئا، ما لم يكن عجلة تقبح )) واستدل بفعل بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , وهذه إحدى الروايات عنه والرواية الأخرى موافقة للجمهور , وقد بوب النسائي في سننه (( الإسراع إلى الصلاة من غير سعي )) , وخرج فيه حديث أبي رافع قَالَ : (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَيَتَحَدَّثُ عِنْدَهُمْ حَتَّى يَنْحَدِرَ لِلْمَغْرِبِ قَالَ أَبُو رَافِعٍ : فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْرِعُ إِلَى الْمَغْرِبِ )) . فقد فهم النسائي أيضا أن هناك مرتبة ثالثة بين المشي والسعي .
ذهب ابن عبر البر من المالكية إلى وجوب إتيان الصلاة بوقار وسكينة , فقال (( فَالْوَاجِبُ أَنْ يَأْتِيَ الصَّلَاةَ مَنْ خَافَ فَوْتَهَا وَمَنْ لَمْ يَخَفْ ذلك فالوقار والسكينة وترك السعي وتقريب الخطى لِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ )) . أما النووي في شرح مسلم فحمل الأمر في الحديث على الندب فقال (( فِيهِ النَّدْبُ الْأَكِيدُ إِلَى إِتْيَانِ الصَّلَاةِ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَالنَّهْيُ عَنْ إِتْيَانِهَا سَعْيًا )) وهذا سواء خاف فوات الركعة أم لم يخف في الجمعة أوفي غيرها , ونقل ابن رجب الإجماع على القول باستحباب إتيان الصلاة بسكينة وترك الهرولة لمن لم يخف فوات التكبيرة أو الركعة الأولى , أما من خاف فوات التكبيرة أو الركعة فقد مر ذكر الخلاف فيه .
ثانيا : بما تدرك صلاة الجماعة هل تدرك بإدراك ركعة أم بإدراك التشهد الأخير
يتفق العلماء أن الداخل إلى المسجد والإمام يصلي ينبغي له الدخول مع الإمام على أية حال ودجدها فيه , لقول النبي صلى الله عليه وسلم (( فما أدركتم فصلوا )) ولقوله صلى الله عليه وسلم (( مَنْ وَجَدَنِي رَاكِعًا أَوْ قَائِمًا أَوْ سَاجِدًا فَلْيَكُنْ مَعِي عَلَى حَالَتِي الَّتِي أَنَا عَلَيْهَا )) اخرجه ابن أبي شيبة , وقد حمل بعض العلماء الأمر هنا على الوجوب كما هو مذهب المالكية وحمله بعضهم على الإستحباب .
غير أنهم اختلفوا في المقدار الذي تدرك به فضيلة الجماعة , فعند الجمهور بإدراك جزء من الصلاة مع الإمام ولو في القعدة الأخيرة من الصلاة وهو مذهب الحنفية والحنابلة وقول بعض المالكية وهو الصحيح عند الشافعية , والدليل قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث (( فما أدركتم فصلوا )) فسمى النبي صلى الله عليه وسلم الداخل مع الإمام في أي جزء من الصلاة مدركا للصلاة ولم يفصل في مقدار الإدراك قليلا كان أم كثيرا .
وأما عند المالكية وهو الوجه الآخر عند الشافعية أن الجماعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة كاملة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة )) .
وأما إدراك الركعة فيكون بإدراك الركوع لحديث أبي بكرة (( أنَّهُ انْتَهَى ألَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهْوَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أنْ يَصِلَ إلَى الصَّفِّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَ زَادَكَ الله حِرْصا ولاَ تَعُدْ )) . ولم يامره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة تلك الركعة , ومعنى زادك الله حرصا أي على الخير أما قوله (( ولا تعد )) , فقد قال الشافعي أي لا تركع دون الصف ويؤيده أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سأل الركوع قبل الوصول للصف , ففي بعض الروايات أن النبي سأل (( أيكم ركع بعد الصف ثم مشى إلى الصف )) , وقيل المعنى لا تعد أن تسعى إلى الصلاة , وقيل لا تعد إلى الإبطاء فتأتي متأخرا إلى الصلاة .
ما يأيد تفسير من فسره بلا تعد للركوع دون الصف , رواية أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا ( إِذا أَتَى أحدكُم الصَّلَاة فَلَا يرْكَع دون الصَّفّ حَتَّى يَأْخُذ مَكَانَهُ من الصَّفّ ) قال الحافظ في الفتح رواه الطحاوي بإسناد حسن , وقد أخرج الطبراني في الكبير عن زيد بن وهب قال دَخَلَتْ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ الْمَسْجِدَ، وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ فَرَكَعْنَا ثُمَّ مَشَيْنَا حَتَّى اسْتَوَيْنَا بِالصَّفِّ فَلَمَّا فَرَغَ الْإِمَامُ قُمْت أَقْضِي فَقَالَ قَدْ أَدْرَكْته )) قال الهيثمي رجاله ثقات , صحح العيني , وصحح الألباني إسناده .
وعند المالكية أنه لا بأس بالركوع خلف الصف ما لم يكن بعيدا , وحد البعيد عندهم ما لم يتجاوز ثلاثة صفوف , فيجوز الركوع خلف الصف إن كانت المسافة قدرها صفا واحدا أو صفين , ثم هل يدب راكعا إلى الصف أم لا .
ثالثا : ما هو المسبوق وكيف يقضي المسبوق صلاته على المذاهب الأربعة .
المسبوق في اللغة هو المتأخر , تقول فلان مسبوق أي متأخر , والمسبوق في الشرع في باب الصلاة هو من سبقه الإمام بكل الركعات أو ببعضها , وله في الشرع أحكام بحسب الركعات التي فاتته .
يدرك المسبوق الركعة بإدراك الركوع مع الإمام لقول النبي صلى الله عليه وسلم (( مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الإمَامُ صُلْبَهُ .. فَقَدْ أَدْرَكَهَا )) رواه الدارقطني، وصححه ابن حبان في غير "صحيحه"
مذهب الحنفية في المسبوق : مذهب الحنفية في المسبوق أن ما أدركه من صلاته مع إمامه فهو آخر صلاته بالنسبة إلى القراءة , وأوله بالنسبة إلى التشهد , فالأصل عندهم أن ما يقضيه هو أول صلاته , فلو أنه أدرك ركعة من المغرب قضى ركعتين فقرأ في كل واحدة منهما بالفاتحة والسورة لأنهما الركعتين الأوليين من صلاته , ويتشهد في الركعة الأولى منهما لأنها الثانية بالنسبة للتشهد .
أما إن أدرك ركعة من العصر فإنه يقضى ركعة فيقرأ فيها بالفاتحة والسورة لأنها الأولى بالنسبة للقراءة , ويتشهد في الركعة الأولى المقضية لأنه الثانية بالنسبة للتشهد , ثم يقضي ركعة أخرى يقرأ فيها الفاتحة والسورة لأنه الثانية بالنسبة للقراءة , ولا يتشهد لأنها الثالثة بالنسبة للتشهد , ثم يقوم لقضاء الأخيرة وهو مخير في القراءة فيها وعدمها والقراءة أفضل .
أما إن أدرك ركعتين من العصر فإنه يقضي ركعتين يقرأ فيهما الفاتحة والسورة ويتشهد في الثانية منهما , فلو ترك القراءة في إحداهما بطلت صلاته .
مذهب الحنابلة في المسبوق : المشهور من مذهب الحنابلة أن ما أدركه المسبوق مع الإمام فهو آخر صلاته , وما يقضيه فهو أولها عملا برواية (( وما فاتكم فاقضوا )) , وعليه فإنه يأتي بالسورة والفاتحة والتعوذ ودعاء الإستفتاح في الركعة الأولى المقضية إن فاتته ركعة .
أما إن فاتته ركعتان فإنه يأتي بالفاتحة والسورة في الركعتين المقضيتين , ويأتي بدعاء الإستفتاح والتعوذ في الركعة الأولى , أما موضع التشهد فإن أدرك ركعتين مع الإمام فيتشهد في الثانية المقضية ويسلم , وإن أدرك ركعة واحدة من المغرب أو من الصلاة الرباعية ففي موضع التشهد روايتان , أحدهما جريا على قاعدة المذهب فإنه يتشهد في الركعة الثانية المقضية , والرواية الأخرى شبيهة بمذهب الحنفية فإنه يأتي بالتشهد في الركعة الأولى المقضية لفعل مسروق وعبد الله بن مسعود .
مذهب الشافعية في المسبوق : أن ما أدركه مع الإمام هو أول صلاته , فإن أدرك الركعتين الأخيرتين مع الإمام فهما بالنسبة إليه الأولى والثانية , فإن أمكنه قراءة الفاتحة والسورة فيهما قرأ وإن لم يمكنه قرأ ما أمكنه , ثم يقوم فيأتي بالركعتين الباقيتين وهما بالنسبة له الثالثة والرابعة ويسن حينها له قراءة السورة في هاتين الركعتين كي لا تخلوا صلاته من السورة ولكن يقرأهما سرا , وقيل يقرأهما جهرا .
وإن أدرك ركعتين من المغرب قام بعد سلام الإمام , فصلى ركعة واحدة يقرأ فيها بأم القرآن وسورة ولم يجهر بهما , وإن أدرك ركعة واحدة من الصلاة المغرب قام فصلى ركعتين بعد سلام الإمام , يقرأ في الأولى منهما الفاتحة والسورة جهرا لأنها الثانية بالنسبة له , وفي الركعة الأخيرة يقرأ بالفاتحة سرا , فإن قرأ السورة في الركعة التي أدركها مع الإمام لم يقرأها هنا , وإن لم يمكنه قراءتها قرأها هنا .
مذهب المالكية في المسبوق : أنا ما أدركه من صلاة إمامه فهو أول صلاته في الأفعال وآخرها في الأقوال , فهو يتم ما بقي له من أفعال ويقضي ما بقي له من القراءة , فعلى هذا فإنه إذا أدرك ركعة واحدة من الصلاة الرباعية , وقام لقضاء صلاته فإنه يقرأ في الركعة الأولى بالفاتحة والسورة فهي الأولى من حيث القراءة ويتشهد فيها لأنها الركعة الثانية من حيث الأفعال , ثم يقف ويقرأ بالفاتحة والسورة ولا يتشهد فيها لأنها الركعة الثالثة , ثم يقف ليصلي الركعة الأخيرة فيقرأ فيها بأم القرآن فقط ويتشهد ثم يسلم . فإن كانت الصلاة سرية قرأ سرا , وإن كانت جهرية قرأ في الركعتين الأوليين المقضيتين جهرا .
أما إن أدرك ركعتين من الرباعية , فإنه يضيف إليهما ركعتين أخريين يقرأ فيهما بالفاتحة والسورة , فإن كانت الصلاة سرية قرأهما سرا , وإن كانت جهرية قرأهما جهرا .
وأما إن أدرك ركعة من صلاة المغرب فإنه يقرأ في الأولى بالفاتحة والسورة جهرا ثم يجلس للتشهد , ويقرأ في الأخيرة أيضا بالفاتحة والسورة جهرا ثم يتشهد ويسلم , وإن أدرك من صلاة المغرب ركعتين , فإنه يقوم للركعة الأخيرة المقضية فيقرأ فيها بالفاتحة والسورة جهرا .
رابعا : أدلة المذاهب الفقهية ووجه قول كل مذهب
المتأمل للمذاهب الفقهية في مسألة المسبوق يجد أن الحنابلة والحنفية مأخذهم واحد وأقوالهم في المسألة متشابهة كثيرا , وأيضا يجد أن أقوال المالكية والشافعية مأخذهم واحد ولهم أوجه الشبه في العديد من الصور .
فالأصل الذي اعتمد عليه الحنابلة والحنفية هو رواية (( وما فاتكم فاقضوا )) ثم حملوا رواية (( وما فاتكم فأتموا )) على الأخرى , ووجه ذالك عندهم أن القضاء يكون في الشيئ الذي ذهب وقت أدائه , وعليه فما أدركه المصلي فهو آخر صلاته وأما أولاها فقد ذهب بعدم تأديته مع الإمام فعليه أن يقضيه , وأما قوله (( فأتموا )) فإن الإتمام يكون للشيئ الناقص , والنقص قد يكون في أول الشيئ وقد يكون في آخر الشيئ .
والأصل عند الشافعية والمالكية هو اعتماد رواية (( وما فاتكم فأتموا )) أصلا يرجع إليه , ولفظ الإتمام يطلق على الشيئ الذي تقدمه جزؤه , ثم أولوا رواية (( وما فاتكم فاقضوا )) فحملت الشافعية القضاء على الإتمام , فهو قد يأتي في اللغة بمعنى الإتمام قال تعالى (( فإذا قضيتم مناسككم )) , (( فإذا قضيت الصلاة )) أي انتهيتم منها , وأما المالكية فحملوا رواية (( وما فاتكم فاقضوا )) على قضاء القراءة , وقد وافقت الشافعية المالكية على قضاء القراءة كي لا تخلوا الصلاة من قراءة السورة .
فالمالكية حمعوا بين الحديثين فحملوا الإتمام على الأفعال والقضاء على القراءة , وقد نقل هذا نصا عن مالك رحمه الله , قال ابن عبد البر (( فَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ مِنْهُمُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ أَنَّ مَا أَدْرَكَ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَلَكِنَّهُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنَ الْمَذْهَبِ )) .
والدليل على قضاء القراءة مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث قَتَادَة : أَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ : ( مَا أدْركْت مَعَ الإِمَام فَهُوَ أول صَلَاتك ، واقض مَا سَبَقَك بِهِ من الْقُرْآن ) , وأيضا إستصحاب هيئة الصلاة الأصلية , فالهيئة الأصلية للصلاة فاتحة وسورة ثم فاتحة وسورة ثم فاتحة ثم فاتحة .
المراجع
البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير سراج الدين ابن الملقن
نصب الراية لأحاديث الهداية جمال الدين الزيلعي
صحيح أبي داود ناصر الدين الألباني
سنن النسائي أحمد بن شعيب النسائي
طرح التثريب في تشريح التقريب عبد الرحيم زين الدين العراقي
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ابن عبد البر
شرح مسلم النووي النووي
عمدة القاري شرح صحيح البخاري بدر الدين العيني
سبل السلام شرح بلوغ المرام محمد بن اسماعيل الصنعاني
المجموع شرح المهذب النووي
الأم الإمام الشافعي الشافعي
بداية المحتاج في شرح المنهاج محمد بن ابي بكر الأسدي
الفقه على المذاهب الأربعة عبد الرحمن الجزيري
الشرح الكبير على متن المقنع ابن قدامة المقدسي
المغني لابن قدامة ابن قدامة المقدسي
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي