قبلة تتسبب في نزول آية - قصة وعبرة -
هذه القصة هي قصة صحابي قبل امراة , فجاء للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذالك فنزلة فيه آية من القرآن الكريم , في هذه القصة التي ستكون موضوع حديثنا عبر وفوائد جمة نأتي عليها .
من هو هذا الصحابي الذي قبل المرأة وما هي قصته ؟
وردت الحادثة بروايات عدة أغلب هذه الروايات لم تسمه , وقد ورد اسمه في رواية يرويها الإمام الترمذي وهي حسنة كما في صحيح سنن الترمذي , فالصاحبي اسمه أبو اليسر كعب بن عمر .
يحكي لنا هذا الرجل كيف وقع في هذه الخطيئة , فيذكرأنه كان يبيع تمرا في أقصى المدينة في جانب من جوانبها البعيدة عن المسجد , كان في محله فجاءته امرأة لتقتني شيئا لنفسها من تمر المدينة , فأخبرها أن في البيت تمرا أطيب وأفضل من هذا الذي تراه , فصدقته المسكينة ودخلت البيت معه ويا ليتها ما دخلت , فإن للشيطان حبائل وخطوات كثيرة . فالخلوة من حبائله المتينة وفي لحظة ضعف شديدة من الرجل أقبل عليها فقبلها .
هكذا هي النفوس الحية تعيش بين نزعات الشر ونفحات الخير , فتارة يغلبها الشر فتهوي نفسه به إلى مكان سحيق وتارة يعيش في نفحات الخير وبركات الإيمان فيرتقي فيها إلى مرضاة الرب , وهناك يشرق قلبه ويعيش تلك اللحظات الجميلة في رضا الله عز وجل , ولكن من ماتت نفسه فلا إحساس فيه , ولا لحظات عيش حلوة في رضا الله عز وجل قد ذاق حلاوتها .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدثنا عن نفس المؤمن , وكيف أنها تتقلب بين الإقبال تارة والإبتاعد تارة أخرى
(( إن للشَّيطانِ للمَّةً بابنِ آدمَ ، ولِلمَلك لَمَّةٌ ، فأمَّا لمَّةُ الشَّيطانِ فإيعادٌ بالشَّرِّ وتَكْذيبٌ بالحقِّ ، وأمَّا لمَّةُ الملَكِ فإيعادٌ بالخيرِ وتصديقٌ بالحقِّ . فمَن وجدَ ذلِكَ فليعلم أنَّهُ منَ اللَّهِ ، فليحمَدِ اللَّهَ ، ومن وجدَ الأخرى فليتعوَّذ منَ الشَّيطانِ )) إسناده صحيح احمد شاكر
فهذه حال النفوس المؤمن التي لا زالت فيه بقية حياة , إنها النفس اللوامة التي أقسم بها الله عز وجل , أما النفس الميتة التي كلما عرضت عليها فتنة تقبلها صاحبه , فلم ينكرها حتى يسود قلبه فلا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا , فهذا قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
تُعْرَضُ الفِتَنُ علَى القُلُوبِ كالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فأيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ سَوْداءُ، وأَيُّ قَلْبٍ أنْكَرَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ بَيْضاءُ، حتَّى تَصِيرَ علَى قَلْبَيْنِ، علَى أبْيَضَ مِثْلِ الصَّفا فلا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ ما دامَتِ السَّمَواتُ والأرْضُ، والآخَرُ أسْوَدُ مُرْبادًّا كالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، ولا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إلَّا ما أُشْرِبَ مِن هَواهُ
فالحديث يخبرنا أن الشهوات والفتن تتابع على قلب المؤمن , فإن قبلها قلبه وعشقها عكرت صفاءه فجعلت فيه نكتة سوداء , أما إن أنكرها القلب ورفضها واستغفر ربه فتنكت فيه نكتة بيضاء , ومع هذا التتابع فسيستق القلب إما على البياض أو السواد , ثم ذكر من أوصاف القلوب السوداء فقال (( مربادا )) أي أسود فيه شيئ من البياض فإذا استمر على غفلته تحول إلى سواد قاتم , ومعنى (( كالكوز مجخيا )) أي المائل المنكوس الذي لا يمكن أن يمتلأ .
إن قلب هذا الرجل الذي قبل امرأة حي عامر بالإيمان يتوقد منه , ولكن في لحظة ضعف غاب وازع الإيمان فأخطأ الرجل , وقد قيل لكل جواد كبوة , وقد أخبر النبي الكريم عن مثل هذه الحال فقال (( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن )) , ولكن سرعان ما عاد وَهجُ الإيمان يتقد من جديد فقد ملأ قلبَه بزاد الإيمان , حفظه بالتقوى فحفظه الله عز وجل .
لقد تخلف إيمانه في هذه الواقعة فحسب , ولقد عهد الله لآدم فنسي فنسيت ذريته , لقد تفجر قلب ذالك الرجل بحب الله عز وجل وتحت مرارة العصيان ولوعة المخالفة عاش ضميره متقلبا يؤنبه , وهكذا المؤمن يرى ذنبه كجبل يكاد أن يسقط عليه , وأما من كان في إيمانه ضعف شديد فيرى الذنب كذبابة حطت ثم رحلت عنه .
قصة الرجل الذي أصاب من امراة قبلة |
أين يذهب الرجل أو أين يجد الدواء
إن مرارة المعصية وجرح المخالفة قد زادته ألما إذ كيف يعصي الله عز وجل , فلم يهنأ له بال فاتجه إلى أبي بكر فأخبره بالذي يجده فنصحه بالستر والإستغفار , إن الواجب على العبد إذا أخطأ أن يستتر خلافا لمن يبيت يعصي الله عز وجل ثم يفضح نفسه نهارا مفتخرا بما فعل , ناسيا قدر ربه متجرئا على حدود الله عز وجل وأمرُه فيه كلمة كن فيكون كما يشاء الله عز وجل .
هذه هي أولى خطوات المعالجة في دين الله عز وجل سِتر بعد خطأ وتوبة وإستغفار , ولكن قلبه لم يهنأ فاتجه لعمر رضي الله عنه فكان جوابه كجواب اخيه أبي بكر فالمشكاة واحدة هي مشكاة رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولكن حرارة المعصية شديدة فاتجه أخيرا للمربي الأول فاخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( أخلفت غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا )) ليعلمه أن هذه المرأة أمانة قد تركها زوجها في هذا المجتمع , فكيف تفعل هذا الفعل بها إنه ذنب عظيم .
لقد تمنى الرجل من شدت تأنيب رسول الله له أن لو لم يكن أسلم تلك الساعة , فقد تمنى أن لو أسلم بعد الحادثة ليمحوها إسلامه , فالإسلام يجب ما قبله , وظن الرجل أن النار مصيره ولكن رحمة الله بعباده واسعة , لقد أنزل الله عز وجل قرآنا يتلى في الرجل فقال
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ
لقد استبشر الرجل وأطفأ الله عز وجل حرارة المعصية في قلبه , وجعل الآية عامة لكل المسلمين ممن أخطؤوا , والكل خطاء والعلاج الإكثار من الحسنات لتمحوا السيئات مع التوبة والإستغفار وترك الإصرار على المعصية والتمادي فيها .
بعض الفوائد والعبر من قصة الرجل
- جبل الله النفوس على الخطأ والسعيد من آلمته حرارة المعصية.
- القلب الحي لا يصر على معصية بل يسارع للإستغفار.
- وجوب كتمان المعصية , وعدم التحدث به فكل أمة محمد معافون إلا المجاهرون الذين يجاهرون بمعاصيهم .
- التكثير من الحسنات من شأنه أن يمحو الله به الكثير من الخطايا .
- تمر بالمؤمن لحظات ضعف شديدة قد لا يشعر بعظم المعصية حتى يواقعها ,
- ليس شرطا في الولاية ان يكون الولي معصوما , فقد يقدر الله له الذنب ليقدر له التوبة بعدها فيرفع قدره أكثر في الولاية .
- سعة مغفرة الله عز وجل وعظم رحمته بعباده إذ جعل لهم خلاصا من أخطائهم .
- يجب الحزم في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه , والبعد عن التساهل في هذه العلاقة , ومن ذالك الإختلاط والخلوة والكلام الذي لا أهمية فيه إلى غير ذالك مما يسبب التهمة والريبة , وقد يفضي للكبيرة .