الأيام المعلومات والأيام المعدودات الفرق بينهما والأحكام الفقهية المرتبطة بها
ذكر الله عز وجل في القرآن الكريم أثناء حديثه عن مناسك الحج أياما سماها بالمعدودات وأياما سماها بالمعلومات , فما هي الأيام المعلومات وما هي الأيام المعدودات , وهل هناك فارق بينها , وما هي الأحكام الفقهية المرتبطة بها ؟ .
سياق الكلمتين ومعنى ( أيام معدودات ) و ( أيام معلومات ) في القرآن
جاء ذكر الأيام المعدودات في سورة البقرة أثناء حديث الله عز وجل عن الإفاضة من مزدلفة إلى منى والمبيت فيها ليالي التشريق ورمي الجمار وذبح الهدايا والطواف والسعي , فقال (( وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ )) , وقد ذكر القرطبي في تفسيره نقلا عن الإمام ابن عبر البر وغيره الإجماع أن الأيام المعدودات هي أيام التشريق وهي ثلاثة أيام بعد يوم العيد ويوم العيد ليس منها , وممن نقل الإجماع أيضا الإمام النووي , وذكر قولا مخالفا لبعضهم وقال هو محجوج بالإجماع فلا عبرة به .
وعلى هذا فالأيام المعدودات هي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة , وهي مرتبطة برمي الجمار وليست مرتبطة بالذبح فالله عز وجل قد قال بعد ذِكرها (( فمن تعجل في يومين )) أي من هذه الأيام فلم يتنظر إلى اليوم الثالث , وقد أجمعت الأمة على أن هذا الحكم قد ثبت في أيام منى وهي أيام التشريق فهي متعلقة برمي الجمار الذي هو ثلاثة أيام , فالأيام المعدودات لا إشكال فيها والآية محكمة إنما المشكلة في الأيام المعلومات .
القول الأول الأيام المعلومات هي أيام النحر ووجه ذالك أن الله عز وجل أخبر أن الأيام المعلومات ظرف لذكر الله على الذبائح كما هو تفسير الآية عند عامة المفسرين , ودليل ذالك أن الله قال بعد ذالك (( فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ )) , وأما حمل المعنى أنه أمر لهم بذكر الله كلما رأوا بهيمة الأنعام في العشر من ذي الحجة فهذا أمر ظاهر البطلان قاله الشنقيطي في أضواء البيان , وقال ابن العربي في احكام القرآن معقبا على من قال الأيام المعلومات هي العشر من ذي الحجة (( وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدْفَعُهُ ؛ فَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِغَالِ بِهِ )) , وأيضا تغاير الإسمين لا يعني التغاير في الأيام فقد يكون سبب التغاير في التسمية غير التغاير في الحقيقة بل بسبب التغاير في وصف من الأوصاف التي بسببها أطلقت التسمية كالحسام والسيف مثلا .
وهؤلاء اختلفوا في أيام النحر , فأيام النحر عند المالكية ثلاثة يوم العيد ويومين بعده , وعلى هذا فالأيام المعلومات عند المالكية هي يوم العيد ويومين بعده , فيكون التفصيل عندهم أن يوم العيد يوم معلوم لكنه غير معدود , واليومين التاليين يومان معلومان معدودان واليوم الثالث يوم معدود غير معلوم , وأما من ذهب إلى أن أيام النحر أربعة أيام يوم العيد وثلاثة أيام بعده فقال الأيام المعلومات هي يوم العيد والأيام المعدودات .
القول الثاني الأيام المعلومات هي أيام العشر من ذي الحجة ويوم النحر داخل فيها وهذا مذهب الشافعي والمشهور عن الإمام احمد وهو مذهب أكثر العلماء , ووجه القول عندهم أن الله عز وجل قد سماهما باسمين متغايرين وهذا يقتضي تغايرهما , وقد أجمع العلماء أن الأيام المعدودات ثلاثة أيام بعد العيد فيكون الأيام العشر هي الأيام المعلومات .
الأحكام الفقهية المرتبطة بالأيام المعدودات والأيام المعلومات
الحكم الأول : متى يشرع الذكر والتكبير في العيد وأيام ذي الحجة وأيام التشريق
التكبير في أيام ذي الحجة نوعان تكبير مطلق وتكبير مقيد والفرق بينهما أن التكبير المطلق محله كل وقت في الأيام المعلومات صباحا أو مساء بعد الصلاة أو قبلها , أما التكبير المقيد فهو التكبير عقب الصلاة المفروضة ووقته الأيام المعدودات أي يوم العيد وأيام التشريق على ما مر من التفريق بين الأيام المعلومات والأيام المعدودات .
والأصل في مشروعية التكبير المطلق والمقيد يوم العيد وأيام التشريق قوله تعالى (( وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ )) , ولا خلاف بين الفقهاء أن الحاج داخل في هذه الآية فيكبر عند رمي الجمار وأدبار الصلوات , وهل يدخل غير الحاج في الخطاب فالجمهور من الفقهاء والسلف والصحابة أنه داخل فيها , وقد ثبت التكبير في العيد وأيام التشريق في السنة النبوية عن أمِّ عطيةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت : ((كنَّا نُؤمَرُ بالخروجِ في العِيدَينِ، والمُخبَّأةُ، والبِكرُ. قالت: الحُيَّضُ يَخرُجْنَ فيكنَّ خلفَ الناسِ، يُكبِّرْنَ مع الناسِ)) متفق عليه وفي رواية البخاري (( فيُكبِّرْنَ بتكبيرِهم )) , وفي البخاري عن عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنه : ( أنَّه كان يُكبِّرُ في قُبَّتِه بمنًى، فيَسمَعُه أهلُ المسجدِ، فيُكبِّرونَ، فيكبِّرُ أهلُ الأسواقِ، حتى تَرتجَّ مِنًى تكبيرًا ) وأيام منى هي أيام التشريق , وفيه أيضا عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما : ( أنَّه كان يُكبِّرُ بمنًى تلك الأيَّامَ، وخَلْفَ الصَّلواتِ، وعلى فِراشِه، وفي فُسطاطِه ومجلسِه، وممشاه تلك الأيَّامَ جميعًا ) , وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم على مشروعية هذا التكبير .
ويكون التكبير عقب الصلاة سواء كان المصلي في جماعة أو صلى وحده فيكبر تكبيرا ظاهرا . واختلف العلماء في وقت ابتدائ التكبير ووقت انتهائه , فذهب قوم إلى أن التكبير يكون من صلاة صبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق , وقال أبو حنيفة يكبر من غداة يوم عرفة إلى عصر يوم النحر , وقال مالك والشافعي يكبر من صلاة ظهر يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق , وأما المسألة الثانية التي اختلف فيها الفقهاء فهي ألفاظ التكبير .
وأما تخصيص العشر الأولى بالتكبير فمذهب مالك أن التكبير لا يخصها ذالك أن الأيام المعلومات هي أيام النحر , وأما من قال يستحب التكبير أيضا مطلقا في الأيام العشر من ذي الحجة فمستنده قوله تعالى (( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ )) , وهؤلاء فسروا الأيام المعلومات بأيام العشر من ذي الحجة , وأيضا اعتمدوا على ما ورد في السنة النبوية , فقد جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد )) , وفي صحيح البخاري معلقا (( كَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا ))
الحكم الثاني : رمي الجمار في أيام التشريق وحكم من تعجل
الحكم الثالث : وقت ذبح الأضحية
المراجع
أحكام القرآن لابن العربي
أحكام القرآن للطحاوي
أحكام القرآن الجصاص
أضواي البيان الشنقيطي
تفسير البغوي
مفاتيح الغيب تفسير الرازي فخر الدين الرازي
الجامع لأحكام القرآن القرطبي
فتح الباري شرح صحيح البخاري ابن حجر العسقلاني
المجموع شرح المهذب الإمام النووي
المغني ابن قدامة
بداية المجتهد ونهاية المقتصد ابن رشد