recent
أخبار ساخنة

آية إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم معان ودلالات

الصفحة الرئيسية

  آية إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم معان ودلالات


يحدثنا القرآن الكريم عن سنة كونية في عملية التغيير , فالله عز وجل يقول في كتابه (( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ )) , ويقول أيضا (( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )) .

سنن التغيير حتى يغيروا ما بأنفسهم
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم

يخبر الله عز وجل في الآية الأولى أن تغيير ما عليه الناس من حال إلى حال لا يتم إلا بعد أن تتغير أنفسهم , فيمكنن القول بذالك أن الآية تحدثت عن قضيتين :

الأولى : أن ما يعيشه الناس في واقعهم من نعم أو نقم ما هو إلا صورة عما في أنفسهم من خير أو شر , فيمكن الإستدلال بالواقع المعاش على ما في الأنفس من صلاح أو فساد .

الثانية : أن تغيير حال الناس لن يحدث أبدا إلا إذا تغيرت أنفسهم , وهو شامل للصورتين من السيئ للحسن , ومن الحسن للسيئ , فالمجتمع إن كان في نعمة ثم أخذت النفوس فيه تبتعد عن الطاعة والخير فإن النتيجة الحتمية تغير حالهم من النعمة ورغد العيش إلى النكد والبؤس , وكذالك العكس فإن كانوا في بؤس وشقاء فغيروا ما بأنفسهم فلا شك أن واقع حالهم سيتحول لنعمة وسعادة .

لكن تبقى المشكلة كيف يحدث تغيير ما بالأنفس , وهل هذه الآية دليل على أن التغيير لا بد أن يكون من القاعدة الشعبية , وأن كل تغيير يبدأ من السلطة هو تغيير مخالف لسنة كونية ؟؟

لقد جاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بلدان عدة , وقد كانت هذه البلدان في جاهلية مظلمة فمالذي غيروه , إن أول ما يقومون به هو إزالة طواغيت الكفر من ملوك ورؤساء , ذالك أن أولئك الطغاة كانوا سدا منيعا يمنع الناس من دخول الإسلام أو الإستماع لدعوته .

لقد بدأ التغيير بتغيير أعلى الهرم ثم اتجه نحو القاعدة , ومع ذالك فهذا لا يعني أن بداية التغيير من القاعدة غير مجدية , بل غاية فعلهم هذا يدل على أن التغيير قد يبدأ من أعلى السلطة , خاصة إذا كانت هذه السلطة متحكمة في الشعب تلعب معه دور المراقب والموجه .

فيمكن القول أن آية (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) تحدثت عن سنة كونية في عملية التغيير , وهي أن الواقع إنعكاس على ما في الأنفس فإن تغيرت الأنفس تغير الواقع , لكن في المقابل فالآية لم تتحدث عن وسائل تغيير ما بأنفس الناس .

 فقد يكون تغيير ما بالأنفس بواسطة نظام حاكم عادل , كما أنه قد يكون بواسطة جماعة دعوية ثم ينجَرُّ عن هذا التغير النتيجة الحتمية وهو تغير الحال , فالإستدلال بهذا الآية على أن عملية التغيير لا يمكن أن تنجح بتغيير الحاكم أولا إستدلال خاطئ .

ومما ينبغي أن يعلم أن للحاكم سلطة قوية على تغيير الأنفس , بل طالما كان الحكام الفاسدون سببا في تغيير الأنفس وإفسادها أو في منع صلاحها قال ابن المبارك .

وَهَلْ أَفْسَدَ الدِّينَ إِلَّا الْمُلُوكُ ... وَأَحْبَارُ سُوءٍ وَرُهْبَانُهَا

فكيف لو علم ابن المبارك ما للملوك اليوم من تأثير عظيم على الناس أكثر من أي وقت مضى لما يملكونه من وسائل السيطرة والتوجيه والمراقبة , فما كان ملوك العهود القديمة يملكون التعليم ويحددون ما يدرس وما يمنع من التدريس , وما كانوا يسيطرون على المساجد بمثل هذه السيطرة .

ما كان الحكام السابقون يملكون وسائل إعلام يهدمون بها القيم , فخلاصة الأمر أن الآية ذكرت سببا ونتيجة , والسبب هو تغيير الأنفس والنتيجة تغير الأوضاع , ولكن في المقابل فالآية لم تذكر كيفية تغيير ما بالأنفس , فالشيئ الأكيد أن مجرد تغيير السلطان لا يغير الأوضاع , فتغيير السلطان وسيلة من وسائل تغير ما بالأنفس ليتبعه بعد ذالك تغير الحال .

فوائد من آية إن الله لا يغيروا ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم


الأولى : التغيير التي تحدثت عنه الآية قد يكون من السيئ إلى احسن , كما أنه قد يكون من الحسن إلى السيئ , فالآية تتحدث عن كل تغيير 

الثانية : وسائل التغيير متعددة قد تكون بواسطة سلطان أو بواسطة جماعات دعوية أو بواسطة رسل وأنبياء .

الثالثة : قد يقول قائل كما تكونوا يولى عليكم , جوابه ليس هذا حديثا بل كلام لبعضهم , وقد قيل في مقابله أيضا الناس على دين ملوكهم . 

جاء في كتاب الدرر السنية ((وفي حديث ثوبان " وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين " ، وهو يتناول من له إمامة، ممن ينتسب إلى العلم والدين، وكذلك الأمراء )) .

وذكر البخاري قصة المرأة التي سألت أبا بكر فقالت (( مَا بَقَاؤُنَا عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الصَّالِحِ الَّذِي جَاءَ اللَّهُ بِهِ بَعْدَ الْجَاهِلِيَّةِ ؟ قَالَ : بَقَاؤُكُمْ عَلَيْهِ مَا اسْتَقَامَتْ بِكُمْ أَئِمَّتُكُمْ ، قَالَتْ : وَمَا الْأَئِمَّةُ ؟ قَالَ : أَمَا كَانَ لِقَوْمِكِ رُءُوسٌ وَأَشْرَافٌ يَأْمُرُونَهُمْ فَيُطِيعُونَهُمْ ، قَالَتْ : بَلَى ، قَالَ : فَهُمْ أُولَئِكِ عَلَى النَّاسِ )) قال ابن حجر معلقا ( أَيْ لِأَنَّ النَّاس عَلَى دِين مُلُوكهمْ، فَمَنْ حَادَ مِنْ الْأَئِمَّة عَنْ الْحَال مَالَ وَأَمَالَ ) .
google-playkhamsatmostaqltradent