recent
أخبار ساخنة

شرح حديث إنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم

الصفحة الرئيسية

 شرح حديث إنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم


حديث جبريل في تعليم الدين حديث عظيم القدر إشتمل على بيان وظائف الدين كله ,  فقد تضمن وظائف العبادات الظاهرة والباطنة , يقول القاضي عياض رحمه الله (( حتى إنَّ علومَ الشريعة كلَّها راجعةٌ إليه ومتشعِّبةٌ منه )) .

شرح حديث جبريل في تعليم الدين
شرح حديث جبريل في تعليم الدين

هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري من رواية أبي هريرة رضي الله عنه , وأخرجه مسلم من رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه , وقد أخرجه الإمام مسلم بإسناده عن يحيى بن يَعمر فبين سبب تحديث عبد الله بن عمر به عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم, فقد انتقل يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن الحميري من البصرة حاجين أو معتمرين , فاتجه إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنه ليسألاه عما ظهر فيها من أناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم , ويتحدثون في القدر فكان مما قالوا (( أن لا قدر وأن الأمر أنف )) .


وقد ذكر يحيى بن يعمر أن أول من قال بالقدر هو معبد الجهني , وهذا أحد الأقوال وأشهرها في أول من قال بالقدر , ومعنى قوله (( أن لا قدر وأن الأمر أنف )) أي مستأنف , فالله عز وجل لم يقدر وقوع الأشياء ولا يعلم وقوعها إلا بعد أن تقع , وهذا قول غلاتهم .

حديث جبريل عند مسلم
حديث جبريل عند مسلم

قوله (( بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ )) , وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس بينهم فإذا جاء الغريب لم يعرفه , فطلبوا منه أن يميزوه بمكان كي يعرفه الغريب , فبنوا له دكانا من طين يجلس عليه وهم يجلسون من حوله فإذا جاء الغريب عرفوه . وقد ذكر أبوا هريرة في البخاري أن رسول الله كان بارزا بين أصحابه في هذه الحادثة .


قوله (( إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ )) وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عمر أن هذا الرجل هو جبريل عليه سلم . فالملائكة قد تأتي في صورة البشر .


قوله (( وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ )) اختلف العلماء هل الضمير في قوله (( فخذيه )) يرجع إلى جبريل , أو أنه يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيكون جبريل قد وضع كفيه على فخضي النبي صلى الله عليه وسلم . وقد ذكر الحافظ في الفتح روايات تدل على أن الضمير يرجع للنبي صلى الله عليه وسلم , ففي حديثحديث ابن عباس وأبي عامر الأشعري : (( ثم وضع يده على ركبتي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم )) .


وفي جلوسه بهذه الهيئة دليل على أن المتعلم أو السائل ينبغي أن يتحلى بالتواضع , كما ينبغي للمتعلم أن يكون حسن المظهر حسن السمت .


معنى الإسلام والإيمان لغة وشرعا وأركان الإسلام وأصول الإيمان


قوله (( وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ )) فبدأ بسؤاله عن الإسلام , وفي بعض الروايات أنه بدأه بسؤاله عن الإيمان , وفي بعضها الآخر أنه سأله عن الإحسان بين الإسلام والإيمان , وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام بأعمال الجوارح الظاهرة من الأقوال والأفعال . 


قوله (( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْإِسْلَامُ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ". قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ )) فأول الأعمال الظاهرة عمل اللسان وهو نطقه بالشهادتين , ثم ذكر باقي أركان الإسلام وهي منقسمة إلى عمل بدني كالصلاة والصوم , وعمل مالي كالزكاة , وما هو مركب منهما كالحج .


وما ذكره هنا إنما هي أصول الإسلام وركائزه التي يبنى عليها , فمما يدل على أن الإسلام هو الأعمال الظاهرة ما أخرج الحاكم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( إِنَّ لِلْإِسْلَامِ صُوًى وَمَنَارًا كَمَنَارِ الطَّرِيقِ مِنْ ذَلِكَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتَسْلِيمُكَ عَلَى بَنِي آدَمَ إِذَا لَقِيتَهُمْ وَتَسْلِيمُكَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ إِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِمْ، فَمَنِ انْتَقَصَ مِنْهُنَّ شَيْئًا، فَهُوَ سَهْمٌ مِنَ الْإِسْلَامِ تَرَكَهُ، وَمَنْ يَتْرُكْهُنَّ، فَقَدْ نَبَذَ الْإِسْلَامَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ))وتفسير الإسلام بالأمور الظاهرة مناسب لمعناه اللغوي فالإسلام هو الإستسلام والإنقياد لله عز وجل . 


فأول ما فسر به الإسلام في حديث جبريل هو الشهادتين وهما متلازمتين , فما آمن بالله ولم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم كان من أهل النار , وشهادة أن لا إله إلا الله معناها لا معبود حق إلا الله , فكل الآلهة التي اتخذها البشر باطلة إلى الله سبحانه وتعالى , ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله التصديق بما يقول وطاعته ومحبته .


وأما الإيمان فقد فسره بالأعمال الباطنة وهو مناسب لمعنى الإيمان اللغوي وهو التصديق والإقرار , فقد جاء في الحديث (( قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ. قَالَ : " أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ ، وَمَلَائِكَتِهِ ، وَكُتُبِهِ ، وَرُسُلِهِ ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ". قَالَ: صَدَقْتَ )) , فهذه أصول الإيمان الستة , وقد ذكر الله عز وجل خمسا منها في قوله : 

(( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ))  (الْبَقَرَةِ: 285)

والإيمان بالله هو الأساس الأول الذي تتفرع عنه باقي أصول الإيمان الستة , والإيمان بالله يشمل الإيمان بوجوده وربوبيته وأسمائه وصفاته . 


أما الإيمان بالملائكة فيكون بالإيمان أنها خلق من خلق الله عز وجل خلقهم من نور , كما ورد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( خُلِقَتِ الملائكةُ من نُّورٍ ، و خلق الجانَّ من مارِجٍ من نارٍ ، و خلق آدمَ مِما وُصِفَ لكمْ )) , وهم ذو أجنحة كما جاء في القرآن الكريم , وأما عددهم فلا يعلمه إلا الله .


وقد جعل الله سبحانه وتعالى بعضهم موكلا بالوحي , وبعضهم موكلا بالموت , وبعضهم بالأرحام وبعضهم بالجنة وبعضهم بالنار , وهم مستسلمون منقادون لأمر الله عز وجل , قال تعالى (( لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )) , وقد ورد اسم بعض منهم في الكتاب والسنة كجبريل ومكائيل وإسرافيل ومالك ومنكر ونكير .


وأما الإيمان بالكتب فيكون بالتصديق والإقرار بما جاءت به , والإعتقاد أنها حق منزلة من الله عز وجل , وأنها مشتملة على سعادة الدارين , قد سمى الله بعضا منها كالقرآن والإنجيل والتوراة والزبور ولم يسم الكثير منها .


وأما الإيمان بالرسل فيكون بالتصديق والإقرار بما جاؤوا به , وأن الله اصطفاهم واختارهم لرسالاته وأنهم بلغوا ما أمروا به على وجه الكمال والتمام . ومنهم من قص في القرآن ومنهم من لم يقص قال تعالى (( وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ )) .


ويلزم من الإيمان بالرسل الإيمان بجميع ما جاؤوا به من كتب , وما أخبروا به عن الله وصفاته وعن الجنة والنار وصفاتهما , وعن أهوال القبور والصراط وغير ذالك .


وأما الإيمان باليوم الآخر فهو التصديق والإقرار بكل ما جاء في الكتب أو السنة عما بعد الموت , والحياة بعد الموت حياتان : 

  • حياة برزخية في القبر وهي ما بين الموت والبعث ,فيها ينعم المرء أو يعذب , ولا يعلم حقيقة هذه الحياة إلا الله عز وجل .
  • حياة بعد النفخ في الصور , وقد ورد في القرآن والسنة بعض مما يحدث فيها من الحشر والصراط ووضع الميزان وغيرها .


وأما الإيمان بالقدر خيره وشره فقد جاءت نصوص كثيرة في القرآن والسنة على إثباته , قال تعالى (( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ )) , وقال سبحانه (( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا )) , وقال سبحانه (( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )) .


وقد احتج عبد الله بن عمر بقول النبي صلى الله عليه وسلم (( وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ )) , على من أنكر القدر وقال (( أن الأمر أنف )) , ويريدون بقولهم هذا أن الحوادث مستأنفة لم يسبقها قدر من الله عز وجل , فأخبر عبد الله بن عمر أنه بريئ منهم وأن الله لن يقبل أعمالهم ما لم يؤمنوا بالقضاء والقدر , والإيمان بالقضاء والقدر على درجتين : 


  • الأولى : الإيمان أن الله سبق في علمه حدوث الأشياء قبل خلقها وإيجادها , وسبق في علمه من هو من أهل الجنة ومن هو من أهل النار , وأنه كتب ذالك وأعمال العباد تقع وفق ما سبق في علمه ووفق ما كتب , وهذا يقره كثير من القدرية , وانكره الغلاة منهم كمعبد الجهني الذي سئل ابن عمر عن مقولته .

  • الثانية : أن الله خلق أفعال العباد كلها طاعة كانت أو معصية شرا كانت أم خيرا , فهذه الدرجة ينكرها القدرية .

 

قوله : (( قال « فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ » ، قَالَ : « أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ » )) , فالإحسان أن يستحضر العبد ربه كأنه بين يديه فيشعر بقربه منه , فيورث ذالك الخشية والخوف والهيبة والتعظيم , 

من علامات الساعة الصغرى التطاول في البنيان وعقوق الوالدين


قوله (( قَالَ : « فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ » ، قَالَ : « مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ » )) , فلا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله عز وجل , وقد جاء في السنة النبوية أنها تقوم يوم الجمعة دون تحديد للسنة 

 قوله (( قَالَ : « فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا » )) , ومعنى الأمارة هو العلامة وعلامات الساعة نوعان : 
  • علامات قريبة من موعد قيام الساعة , كطلوع الشمس من مغربها وخروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام , وخروج يأجوج ومأجوج وغيرها وهي العلامات الكبرى 
  • علامات قبل موعد الساعة وهي العلامات الصغرى , وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث علامتين 

قوله (( قَالَ : « أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا )) قيل إن في ذالك إشارة لكثرة الفتوحات فيكثر السبي , فيطأ الرجل المرأة منهم فيكون لها ولد بمثابة سيدها , وتكون هي أم ولد . وقيل بل هو إشارة لكثرة العقوق حتى يصبح الأبناء كأنهم سادة على آبائهم وأمهاتهم فيتسلطون عليهم .

قوله (( وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ »)) , ومعنى ذالك أن الزمن سيتبدل وترى رعاة الغنم الفقراء قد انتقلوا للسكن في المدن , وقد تكاثرت أموالهم فأصباحوه يباهون على الناس بالتطاولون في البنيان . فإذا صار هؤلاء - وهم أهل جفاء وجهل - أصحاب أموال وثروات ثم رؤوسا للناس , فإنه يفسد بذالك نظام الدين والدنيا .

قوله (( قَالَ : ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا )) أي زمنا بعد ذهاب جبريل , (( ثُمَّ قَالَ لِي : « يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ » قُلْتُ : « اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ » ، قَالَ : « فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ » )) 
google-playkhamsatmostaqltradent