recent
أخبار ساخنة

شرح حديث إنما الأعمال بالنيات قطوف من جامع العلوم والحكم

الصفحة الرئيسية

 شرح حديث إنما الأعمال بالنيات قطوف من جامع العلوم والحكم


هذا شرح حديث (( إنما الأعمال بالنيات )) الذي رواه عمر رضي الله عنه وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما , هذا الحديث عظيم القدر وهو أحد الأحاديث التي يدور عليها الدين , إهتم به العلماء قديما وحديثا  فقاموا بشرحه وبيان ما فيه من الفوائد نلخصها مع تيسيرها وتبسيطها .

شرح حديث إنما الأعمال بالنيات فوائد حديث إنما الأعمال بالنيات
شرح حديث إنما الأعمال بالنيات

عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه -، قال: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: (( إنَّمَا الأعمَال بالنِّيَّاتِ وإِنَّما لِكُلِّ امريءٍ ما نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ ورَسُولِهِ فهِجْرَتُهُ إلى اللهِ ورَسُوْلِهِ ومَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُها أو امرأةٍ يَنْكِحُهَا فهِجْرَتُهُ إلى ما هَاجَرَ إليهِ )) . رواهُ البُخاريُّ ومُسلِمٌ


أهمية حديث إنما الأعمال بالنيات 


يروى عن الشافعي أنه قال هذا الحديث ثلث العلم , وقد جعل الإمام أحمد هذا الحديث أحد الأحاديث الثلاث التي تدور عليها أحكام الإسلام  ، وثاني هذه الأحاديث حديثُ عائشة : ((مَنْ أحدثَ في أمرِنا هذا ما ليس منهُ، فهو ردٌّ)) , وثالث ها هو حديثُ النُّعمانِ بنِ بشيرٍ (( الحلالُ بيِّنٌ، والحَرامُ بَيِّنٌ )) .

وقد جعل ابو داود أصول السنن أربع حديث الأعمال بالنيات , وحديث (( من حسن إسلام المرء ... )) , وحديث (( الحلال بين والحرام بين )) , وحديث (( ازهد في الدنيا .... )) , وقد جمع بعضهم هذه الأربع في أبيات فقال : 

عُمْدَةُ الدِّينِ عندَنا كلماتٌ ... أربعٌ مِنْ كلامِ خيرِ البريَّه

اتَّق الشُّبهَاتِ وازهَدْ ودَعْ ما ... لَيسَ يَعْنِيكَ واعمَلَنَّ بِنيَّه


سبب ورود حديث إنما الأعمال بالنيات 


قد اشتهر لدى الناس أن قول النبي صلى الله عليه وسلم (( ومَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُها أو امرأةٍ يَنْكِحُهَا فهِجْرَتُهُ إلى ما هَاجَرَ إليهِ )) كان بسبب مهاجر أم قيس , وقصة هذا الرجل يرويها ابن مسعود رضي الله عنه , فقال (( كَانَ فِينَا رَجُلٌ خَطَبَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا: أُمُّ قَيْسٍ فَأَبَتْ أَنْ تَزَوَّجَهُ حَتَّى يُهَاجِرَ، فَهَاجَرَ، فَتَزَوَّجَهَا، فَكُنَّا نُسَمِّيهِ مُهَاجِرَ أُمِّ قَيْسٍ )) .

وقد أنكر ابن رجب هذا وقال أن سياق القصة لا يدل على أن الحادثة حدثت زمن النبي صلى الله عليه وسلم , ولا يوجد إسناد صحيح يدل على أن النبي قال ما قال لهذا السبب , وكذالك لا يوجد إسناد صحيح لحديث يدل أن ما وقع لمهاجر أم قيس كان زمن النبي صلى الله عليه وسلم .

فوائد حديث إنما الأعمال بالنيات وشرح معانية


قوله (( إنما )) تفيد الحصر وهي هنا قصر الموصوف على الصفة , والموصوف هنا الأعمال والصفة النيات , ففيه إثبات أن حكم الأعمال بالنيات ونفي هذا الحكم إذا عدمت النية , وحكم الأعمال إما الصحة والبطلان أو الثواب والعقاب .

قوله (( الأعمال بالنيات )) إختلف العلماء في المراد بالأعمال في هذا الحديث , هل هي الأعمال الشرعية التي تحتاج للنية كالصلاة وقراءة القرآن وغيرها , فعلى هذا القول يخرج من عموم اللفظ الأعمال التي لا تحتاج للنية كالعادات من أكل أو شرب وغيرها , وعلى هذا القول يكون التقدير (( الأعمال صحيحة أو معتبرة أو مقبولة بالنيات )) .

وقال آخرون بل لفظ الأعمال باق على عمومه , فيدخل فيه الأعمال التي تفتقر لنية والتي لا تفتقر لها , فيكون معنى الكلام أن الأعمال لا بد أن تقع بنية , فتقدير الكلام أن الأعمال التي تصدر إختيارا من الشخص لا بد وأن تسبقها نية من صاحبها , فيستحيل أن يوجد عمل بلا نية . 

وعلى هذا القول فإن قوله (( وإنما لكل أمرئ ما نوى )) فيه إخبار أن حكم الشارع يتبع النية الباعثة للعمل , فإن كانت صالحة كان العمل صالحا , وإن كانت فاسدة كان العمل فاسدا 

وقالت طائفة التقدير في قوله (( إنما الأعمال )) أي إنما الأعمال صالحة أو غير صالحة أو مقبولة أو غير مقبولة أو معتبرة أو غير معتبرة , فعلى هذا فإن حكم الأعمال بحسب حكم النية من حيث الصلاح والفساد والقبول والرد .

ويكون حينها معنى قوله (( وإنما لكل أمرئ ما نوى )) أي أن العامل يحصل له ثواب بقدر نيته , وأيضا فإن العقاب يحصل بقدر النية أيضا , فقوله (( إنما الأعمال بالنيات )) حديث عن مدى تأثير النية في صلاح وفساد العمل , وقوله (( وإنما لكل امرئ ما نوى )) حديث عن مدى تأثير النية في الثواب والعقاب .

معنى النية وأهميتها في الدين .


النية في اللغة القصد والإرادة , وأما في الإستعمال فلها إستعمالين : 

  • الأول إستعمال الفقهاء : وتقع في كلامهم على أحد معنيين , تمييز العبادات عن بعضها البعض  كتمييز صلاة العصر عن صلاة المغرب , والمعنى الثاني تمييز العبادات عن العادات كالغسل للطهارة أو للتبرد . ولا يجب التلفظ بالنية واختلف المتأخرون من الفقهاء في استحباب النطق بها أو كراهته , وليس للسلف نقل خاص في هذه المسألة إلا في الحج .

  • الثاني إستعمال أرباب السلوك : وهو المعنى الموجود في كلام السلف كثيرا , فهؤلاء يقصدون بها تمييز من يصرف له العمل , فهي بمعنى الإخلاص , وهذا المعنى هو المتكرر في كلام الله ورسوله , ولذا فهي تأتي في كلامهما بمعنى الإرادة والإبتغاء .

فالسلف كثيرا ما استعملوا النية بمعنى الإخلاص وابتغاء وجه الله عز وجل , وبذالك يعلم معنى قول الإمام أحمد الذي مر أن أصول الإسلام ثلاث أحاديث , فقد ذكر منها حديث النعمان بن بشير (( الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات )) , فالدين إما فعل مشروع أو ترك مشروع أو توقف عما اشتبه بينهما , ويتم قبول العمل المشروع بشرطين وهما : 
  • أن يكون موافقا للسنة وقد دل على هذا حديث عائشة (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) 
  • أن يكون خالصا لوجه الله عز وجل وقد دل عليه حديث النيات الذي معنا .
وقد دل على هذين الشرطين قوله تعالى (( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )) , فالعمل الصالح هو الموافق للشرع , والإخلاص فيه بأن لا يشرك غير الله مع الله سبحانه وتعالى . وقد قال الفضيل رحمه الله في قوله تعالى (( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا )) أي أخلصه وأصوبه .

فالعمل الحسن هو الموافق للشرع , ثم تتفوات الأعمال في الحسن بحسب التفوات في الإخلاص والنية , 

معنى الهجرة وأنواعها


بعد أن بين الرسول صلى الله عليه وسلم أحكام النية , وأن الأعمال تعتبر بحسب النية وأن الثواب والعقاب مرتبط بها , جاء بمثال لهتين القاعدتين , فتحدث عن عمل له صورة واحدة لكن حكمه الشرعي مختلف بحسب النية .

فقال (( فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ.)) , فكأنه قد قال وأما باقي العمال فهي شبيهة بهذا المثال .

أصل الهجرة في الشرع ترك بلد الكفر والإنتقال لبلد الإسلام , فأخبر النبي في هذا الحديث أن هجرة الناس تختلف باختلاف نياتهم , فقد يترك بلد الكفر إلى بلد الإسلام لأجل أن يقيم دينه , وقد يترك البلد لأجل تجارة أو بحثا عن أمرأة يتزوجها .

وقد قال فيمن ترك بلده إلى بلد آخر طالبا رضى الله ورسوله (( فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ )) , فأعاد جواب الشرط بنفس لفظ الشرط تعظيما لأمره , وأما فيمن هاجر لدنيا يصيبها أو أمرأة ينكحها , فقال فيهما  (( فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ )) , فلم يسم مبتغاهما من الهجرة تحقيرا لهذا القصد .

وَقَدْ جاء في القرآن الكريم قوله تعالى فيمن هاجرت من النساء (( إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ )) ( الْمُمْتَحَنَةِ 10) . قال ابن عباس رضي الله عنه في تفسير الآية (( كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَلَّفَهَا بِاللَّهِ: مَا خَرَجَتْ مِنْ بُغْضِ زَوْجٍ ، وَبِاللَّهِ مَا خَرَجَتْ رَغْبَةً بِأَرْضٍ عَنْ أَرْضٍ، وَبِاللَّهِ مَا خَرَجَتِ الْتِمَاسَ دُنْيَا، وَبِاللَّهِ مَا خَرَجَتْ إِلَّا حُبًّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ )) .
google-playkhamsatmostaqltradent